﴿وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا﴾ أي : وعداً في الآخرة بالعقاب على الشرك والإفساد ﴿لَّن تُخْلَفَهُ﴾ أي : لن يخلفك الله ذلك الوعد بل ينجزه البتة بعدما عاقبك في الدنيا والخلف والإخلاف المخالفة في الوعد يقال وعدني فأخلفني أي : خالف في الميعاد ﴿وَانظُرْ إِلَى إِلَـاهِكَ﴾ معبود بزعمك ﴿الَّذِى ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا﴾ أصله ظللت فحذفت اللام الأولى تخفيفاً.
قال في "المفردات" : ظلت بحذف إحدى اللامين يعبر به عما يفعل بالنهار ويجري مجرى صرت.
والمعنى صرت مقيماً على عبادته.
وأما بالفارسية :(بودى يوسته بر رستش او) ﴿لَّنُحَرِّقَنَّهُ﴾ جواب قسم محذوف أي : بالنار ويؤيده قراءة ﴿لَّنُحَرِّقَنَّهُ﴾ من الإحراق وهو إيقاع نار ذات لهب في الشيء بخلاف الحرق فإنه إيقاع حرارة في الشيء من غير لهب كحرق الثوب بالدق.
قال الكاشفي :(واين قول كسيست كه كويد آن كاورا كوشت ووست بود) او بالمبرد، بالفارسية :(سوهان) على أنه مبالغة في حرق إذا برد بالمبرد ويعضده قراءة ﴿لَّنُحَرِّقَنَّهُ﴾ أي : لنبردنه يقال بردت الحديد بالمبرد والبرادة ما سقط منه.
قال الكاشفي :(واين بران قوليست كه او جسدى بودزرين بى حيات) ﴿ثُمَّ لَنَنسِفَنَّه فِى الْيَمِّ نَسْفًا﴾ أي : لنذرينه في البحر رماداً أو مبروداً بحيث لا يبقى منه عين ولا أثر من نسفت الريح التراب إذا قعلته وأزالته وذرته.
والنسف بالفارسية (بر كندن) للنبات من أصله (وبربودن) كما في "التهذيب".
والذر (وبباد بر دادن وباد يزى را بر داشتن).
قال الكاشفي :(س را كنده سازيم خاكستر اورا در دريا تابدانند كه اورا كه توان سوخت صفت الوهيت بروعين جهل ومحض خلافست) ﴿إِنَّمَآ إِلَـاهُكُمُ﴾ أي : معبودكم المستحق للعبادة ﴿اللَّهُ الَّذِى لا إِلَـاهَ﴾ في الوجود لشيء من الأشياء ﴿إِلا هُوَ﴾ وحده من غير أن يشاركه شيء من الأشياء بوجه من الوجوه التي
٤٢٢
من جملتها أحكام الألوهية.
قال في "بحر العلوم" قوله :﴿الَّذِى لا إله إِلا هُوَ﴾ تقرير لاختصاص الإلهية ونحوه قولك القبلة الكعبة التي لا قبلة إلا هي ﴿وَسِعَ كُلَّ شَىْءٍ عِلْمًا﴾ أي : وسع علمه بكل ما كان وما يكون أي : علم كل شيء وأحاط به بدل من الصلة كأنه قيل إنما الهكم الذي وسع كل شيء علماً لا غيره كائناً ما كان فيدخل فيه العجل دخولاً أولياً.
قال الكاشفي :(نه قالب كوساله كه اكره زنده نيزباشد مثلست درغباوت ونادانى) روى أن موسى أخذ العجل فذبحه ثم حرقه بالنار ثم ذراه في البحر زيادة عقوبة حيث أبطل سعيه وأظهر غباوة المفتتنين به :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٠
بادست موسوى ه زند سحر سامرى†
قال الحافظ :
سحر با معجزه هلو نزند ايمن باش
سامرى كيست كه دست ازيد بيضا ببرد
قال في "التأويلات النجمية" في الآية إشارة إلى عبدة عجل النفس والهوى بأنهم وما يعبدون حصب جهنم منسوفون في بحرالقهر نسفاً لا خلاص لهم منه إلى الأبد وفي قوله :﴿إِنَّمَآ إِلَـاهُكُمُ اللَّهُ الَّذِى لا إله إِلا هُوَ﴾ إشارة إلى أن من يعبد إلهاً دونه يحرقه بنار القطيعة وينسفه في بحر القهر إلى أبد الآباد ﴿وَسِعَ كُلَّ شَىْءٍ عِلْمًا﴾ فعلم استحقاق كل عبد للطف أو للقهر.
يقال لما وقع الازدواج بين آدم وحواء والازدواج بين إبليس والدنيا فتولد من الازدواج الأول نوع البشر ومن الثاني الهوى فجميع الأديان الباطلة والأخلاق المذمومة من تأثير ذلك الهوى يقال إن ضرر البدعة والهوى أكثر من ضرر المعصية فإن صاحب المعصية يعلم قبحها فيستغفر فيتوب بخلاف صاحب البدعة والهوى.
اعلم أنهم قالوا لكل فرعون موسى أي : لكل مبطل ومفسد محق ومصلح ألا ترى أن فرعون أفسد الأرض بالكفر والتكذيب والظلم والمعاصي فأصلحها موسى بالإيمان والتصديق والعدل والطاعات ثم أن السامري أراد أن يكدر وجه مرآة الدين بما صنعه بيده العادية فجاء موسى فأزاله وهكذا الحال إلى يوم القيامة والأصل إصلاح القلب وتطهيره عن لوث الأخلاق الرذيلة ومنعه عن العكوف على عبادة الهوى ثم تغيير المنكر عن وجه العالم إن قدر كما فعله الأنبياء وأولوا الأمر ومن يليهم فإن الغيرة من الإيمان والله غيور وعبده في غيرته وفي الحديث "إن سعداً لغيور وأنا أغير من سعد والله أغير مني ومن غيرته حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن"، وفي "المثنوي" :
جمله عالم زان غيور آمدكه حق
بردر غيرت برين عالم سبق
غيرت حق بر مثل كندم بودم
كاه خر من غيرت مردم بود
أصل غيرتها بدانيد ازاله
آن خلقان فرع حق بى اشتباه
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٠


الصفحة التالية
Icon