﴿كَذَالِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنابَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ﴾ ذلك إشارة إلى اقتصاص حديث موسى والقص تتبع الأثر والقصص الأخبار المتتبعة.
ومن مفعول نقص باعتبار مضمونه.
والنبأ خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن ولا يقال للخبر في الأصل نبأ حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة وحق الخبر الذي فيه نبأ أن يتعرى عن الكذب كالتواتر وخبر الله تعالى وخبر النبي
٤٢٣
عليه السلام والمعنى مثل ذلك القص البديع الذي سمعت نقص عليك يا محمد بعض الحوادث الماضية الجارية على الأمم السالفة لاقصاً ناقصاً عنه تبصرة لك وتوفيراً لعلمك وتكثيراً لمعجزاتك وتذكيراً للمستبصرين من أمتك.
وفيه وعد بتنزيل أمثال ما مر من أخبار القرون الخالية، وبالفارسية :(همنانه اين قصه موسى برتو خوانديم مى خوانيم برتو اى محمد از خبرها آنه بتحقيق كذشته است يعني ازامور ماضيه وقرون سابقة ترا خبر ميدهيم تا معجزه نبوت توبود وتنبيه مستبصران امت تو) ﴿وَقَدْ ءَاتَيْنَـاكَ مِن لَّدُنَّا﴾ متعلق بآتينا أي : من عندنا ﴿ذِكْرًا﴾ أي : كتاباً شريفاً مطوياً على هذه الأقاصيص والأخبار حقيقاً بالتفكر والاعتبار.
وفي "الكبير" في تسميته به وجوه : الأول أنه كتاب فيه ذكر ما يحتاج إليه في أمر دينهم ودنياهم، والثاني : أن يذكر أنواع آلاء الله ونعمائه وفيه التذكير والموعظة، والثالث فيه الذكر والشرف لك ولقومك وقد سمي الله كل كتبه ذكراً فقال :﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن﴾.
قال بعض الكبار أي : موعظة تتعظ بها وتتأدب بملازمتها فلا يخفى عليك شيء من أسرارنا وما أودعناه أسرار الذين كانوا قبلك من الأنبياء فتكون الأنبياء مكشوفين لك وأنت في ستر الحق.
﴿مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ﴾ عن ذلك الذكر العظيم الشأن الجامع لوجوه السعادة والنجاة فلم يعتبر ولم يعمل به لإنكاره إياه ومن شرطية أو موصولة وأياماً كانت فالجملة صفة لذكر ﴿فَإِنَّهُ﴾ أي : المعرض عنه ﴿يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ وِزْرًا﴾ عقوبة ثقيلة على كفره وسائر ذنوبه وتسميتها وزراً تشبيهاً في ثقلها على المعاقب وصعوبة احتمالها بالحمل الذي يفدح الحامل وينقض ظهره.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٣
﴿خَـالِدِينَ فِيهِ﴾ أي : ماكثين في الوزر حال من المستكن في يحمل والجمع بالنظر إلى معنى من لما أن الخلود في النار مما يتحقق حال اجتماع أهلها ﴿وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ حِمْلا﴾ أي : بئس لهم حملاً وزرهم واللام للبيان كأنه لما قيل ساء قيل لمن يقال هذا فأجيب لهم وإعادة يوم القيامة لزيادة التقرير وتهويل الأمر.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن من أعرض عن الذكر الحقيقي الذي به قامت حقيقة الإيمان والإيقان والعرفان فإنه يحمل يوم القيامة حملاً ثقيلاً من الكفر والنفاق والشرك والجهل والعمى وقساوة القلب والرين والختم والأخلاق الذميمة والبعد والحسرة والندامة وخسر حقيقة العبودية ودوام الذكر ومراقبة القلب وصدق التوجه لقبول الفيض الإلهي الذي هو حقيقة الذكر الذي أوله إيمان وأوسطه إيقان آخره عرفان فالذكر الإيماني يورث الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة بترك المعاصي والاشتغال بالطاعات والذكر الإيقاني يورث ترك الدنيا وزخارفها حلالها وحرامها وطلب الآخرة ودرجانها منقطعاً إليها والذكر العرفاني يوجب قطع تعلقات الكونين والتبكير إلى سعادة الدارين في بذل الوجود على شواهد المشهود انتهى فأعلى المراتب في الذكر فناء الذاكر في المذكور فلا يبقى للنفس هناك أثر.
ـ روي ـ أنه كثر الزنى في بغداد وكثر الفسق فقيل للشبلي لولا ذكرك لا حرقنا البلدة فلما سمعه بعض أهل النفس قال : أليس لنا ذكر فقال الشبلي ذكركم بوجود النفس وذكرى بالله.
واعلم أن التوحيد أفضل العبادات وذكر الله أقرب القربات وقد وقت الله العبادات كلها كالصلاة والصيام والحج ونحوها بالمواقيت إلا الذكر فإنه أمر به على كل حال قياماً وقعوداً
٤٢٤
واضطجاعاً وحركة وسكوناً وفي كل زمان ليلاً ونهاراً صيفاً وشتاء ولما سئل النبي عليه السلام عن جلاء القلب قال :"ذكر الله وتلاوة القرآن والصلاة عليّ"، قال المغربي قدس سره :
اكره آينه دارى از براى رخش
ولى ه سود كه دارى هميشه آينه تار
بيا بصيقل توحيد زآينه بردارى
غبار شرك كه تا اك كردد از نكار
ـ حكي ـ أن موسى عليه السلام قال : إلهي علمني شيئاً أذكرك به فقال الله تعالى قل : لا إله إلا الله فقال موسى يا رب كل عبادك يقول ذلك فقال الله تعالى يا موسى لو أن السموات والأرضين وضعت في كفة ميزان ولا إله إلا الله في أخرى لمالت به تلك الكلمة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٣
قال الفقير :
كرتو خواهى شوى زحق آكاه
دم على لا اله إلا الله
افضل ذكر باشد اين كلمه
يكثر الذكر كل من يهواه
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٣


الصفحة التالية
Icon