﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّورِ﴾ بدل من يوم القيامة أو منصوب بإضمار اذكر أي : اذكر لقومك يا محمد يوم ينفخ إسرافيل في القرن الذي التقمه للنفخ ﴿وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَـاـاِذٍ﴾ أي : نخرج المتوغلين في الإجرام والآثام المنهمكين فيها وهم الكفرة والمشركون من مقابرهم ونجمعهم يوم إذ ينفخ في الصور وذكره صريحاً مع تعين أن الحشر لا يكون إلا يومئذٍ للتهويل ﴿زُرْقًا﴾ جمع ازرق والزرقة اسوء ألوان العين وأبغضها إلى العرب فإن الروم الذين كانوا أعدى عدوهم زرق.
قال الكاشفي :(در خبراست كه زرقه عين وسواد وجه علامت دوز خيانست).
وقال الإمام في المفرادت قوله تعالى :﴿يَوْمَـاـاِذٍ زُرْقًا﴾ أي : عمياً عيونهم لا نور لها لأن حدقة الأعمى تزرق يعني أن العين إذا زال نورها ازرقت.
﴿يَتَخَـافَتُونَ بَيْنَهُمْ﴾ استئناف لبيان ما يأتون وما يذرون حينئذٍ والتخافت إسرار المنطق وإخفاؤه أي : يقول بعضهم لبعض خفية من غير رفع صوت بسبب امتلاء صدورهم من الخوف والهوان أو استيلاء الضعف ﴿إِن لَّبِثْتُمْ﴾ لبث بالمكان أقام به ملازماً له أي : أقمتم ومكثتم في الدنيا أو في القبر ﴿إِلا عَشْرًا﴾ عشر ليال أو عشر ساعات استقصاراً لمدة لبثهم فيها لزوالها لأن أيام الراحة قليلة والساعات تمر مر السحاب.
وفي "الجلالين" يتسارون فيما بينهم ما لبثتم في قبوركم إلا عشر ليال يريدون ما بين النفختين وهو أربعون سنة يرفع العذاب في تلك المدة عن الكفار ويستقصرون تلك المدة إذا عاينوا أهوال القيامة انتهى وهو مروى عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وفي "بحر العلوم" هو ضعيف جداً.
﴿نَّحْنُ﴾ (ماكه خداونديم) ﴿أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ﴾ (دانا تريم بآنه ايشان ميكويند) وهو مدة لبثهم ﴿إِذْ يَقُولُ﴾ (خون كويد) ﴿أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً﴾ اوفرهم رأياً وأوفاهم عقلاً، وبالفارسية :(تمامترين ايشان ازروى عقل).
قال في "المفردات" الأمثل يعبر به عن الأشبه بالأفاضل والأقرب إلى الخير وأماثل القوم كناية عن خيارهم وعلى هذا قوله تعالى :﴿إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً﴾ انتهى ﴿أَنْ﴾ بمعنى النفي أي : ما ﴿لَّبِثْتُمْ إِلا يَوْمًا﴾ ونسبة هذا القول إلى أمثلهم استرجاع منه تعالى له لكن لا لكونه أقرب إلى الصدق بل لكونه أدل على شدة الهول.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٥
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أنه إذا نفخ في الصور وحشر أهل البلاء وأصحاب الجفاء يوم الفزع الأكبر في النفخة الثانية
٤٢٥
﴿يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا﴾ (المزمل : ٣٧) ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الارْضُ غَيْرَ الأرْضِ﴾ (إبراهيم : ٤٨) وقد غضب ربنا ذلك اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله يرون من شدة أهوال ذلك اليوم ما يقلل في أعينهم شدة ما أصابهم من العذاب طول مكثهم في القبور فهم يحسبون أنهم ما لبثوا في القبور إلا عشرة أيام ثم قال تعالى :﴿نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ﴾ من عظم البلاء وبما يقولون :﴿إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً﴾ أي : أصوبهم رأياً في نيل شدة البلاء ﴿إِن لَّبِثْتُمْ إِلا يَوْمًا﴾ وذلك لأنه وجد شدة بلاء ذلك اليوم عشرة أمثال ما وجده انتهى قيل :
ألا إنما الدنيا كظل سحابة
أظلتك يوماً ثم عنك اضمحلت
فلا تك فرحاناً بها حين أقبلت
ولا تك جزعاناً إذا هي ولت
قال المنصور لما حضرته الوفاة بعنا الآخرة نومة، قال الشيخ سعدى :
نكه دار فرصت كه عالم دميست
دمى يش دانا به از عالميست
مكن عمر ضايع فافسوس وحيف
كه فرصت عزيزست والوقت سيف
قال السلطان ولد :
بكذار جها نرا كه جهان آن تونيست
وين دم كه همى زنى بفرمان تو نيست
كر مال جهان جمع كسى شاد مشو
ور تكيه بجان كنى جان آن تونيست
فعلى العاقل أن لا يضيع وقته بالصرف إلى الدنيا وما فيها من الشهوات فإن الوقت نقد نفيس وجوهر لطيف وبازى اشهب لا ينبغي أن يبذل لشيء حقير وأن يصاد به طير لا يسمن ولا يغني من جوع ومن المعلوم أن عيش الدنيا قصير وخطرها يسير وقدرها عند الله صغير إذا كانت لا تعدل عنده جناح بعوضة فمن عظم هذا الجناح كان أصغر منه.
بر مرد هشيار دنيا خسست
كه هرمدتى جاى ديكر كسست