تعدى إلى المفعول الثاني تارة بنفسه وتارة بالجار تقول سألته كذا وسألته عن كذا وبكذا وبعن أكثر كما في هذا المقام وإذا كان لاستدعاء مال فإنه يتعدى بنفسه أو بمن نحو قوله تعالى : يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ} (الأحزاب : ٥٣) والجبال جمع جبل وهو كل وتد للأرض عظم وطال فإن انفرد فاكمة أو قنة واعتبر معانيه فاستعير واشتق منه بحسبها فقيل فلان جبل لا يتزحزح تصوراً لمعنى الثبات فيه وجبله الله على كذا إشارة إلى ما ركب فيه من الطبع الذي يأبى على الناقل نقله وتصور منه العظم فقيل للجماعة العظيمة جبل كما قال تعالى :﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلا كَثِيرًا﴾ (يس : ٦٧) أي : جماعة تشبيهاً بالجبل في العظم والجبال في الدنيا ستة آلاف وستمائة وثلاثة وسبعون جبلاً سوى التلول.
والمعنى يسألونك عن ما آل أمرها وقد سأل عنها رجل من ثقيف وقال يا رسول الله ما يصنع بالجبال يوم القيامة ﴿فَقُلْ﴾ الفاء للمسارعة إلى الزام السائلين.
قال الكاشفي :(س بكويى تأخير در جواب ايشان كه بقدرت) ﴿يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْفًا﴾ يقال نسفت الريح الشيء اقلعته وإزالته ونسف البناء قلعه من أصله والجبال دكها وذراها كما في "القاموس" أي : يقلعها من أصلها ويجعلها كالهباء المنثور.
وفي "الإرشاد" يجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها وتذورها.
وفي الكبير لعل قوماً قالوا إنك تدعى أن الدنيا تفنى فوجب أن تبتدىء بالنقصان حتى تنتهي إلى البطلان لكنا لا نرى فيها نقصاناً ونرى الجبال كما هي وهذه شبهة ذكرها جالينوس في أن السماوات لا تفنى وجواب هذه الشبهة أن بطلان الشيء قد يكون ذبولياً يتقدمه النقصان وقد يكون دفعة فتبين أنه تعالى يزيل تركيبات العالم الجسماني دفعة بقدرته ومشيئته انتهى ومثاله : أن الدنيا مع جبالها وشدادها كالشاب القوى البدن ومن الشبان من يموت فجأة من غير تقدم مرض وذبول :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٦
ديدى آن قهقهه كبك خرامات حافظ
كه زسر نه شاهين قضا غافل بود
قال في "الأسئلة المقحمة" : قال هنا ﴿وَيَسْـاَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ﴾ بالفاء وفي موضع آخر ﴿فِى الدُّنْيَا وَالاخِرَةِا وَيَسْـاَلُونَكَ عَنِ﴾ (البقرة : ٢٢٠) من غير الفاء والجواب لأنهم يسألونه ههنا بعد فتقريره إن سألوك عن الجبال فقل نظيره فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فإن كنت في شك فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به بخلاف قوله :﴿فِى الدُّنْيَا وَالاخِرَةِا وَيَسْـاَلُونَكَ﴾ لأنه هناك كانوا قد سألوه فأمر بالجواب كقوله تعالى :﴿وَيَسْـاَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ (البقرة : ٢٢٢) وغيرها من المواضع انتهى.
وفي "التأويلات النجمية" : وإن سألونك عن أحوال الجبال في ذلك اليوم فقل ينسفها ربي نسفاً يقلعها يتجلى صفة القهارية كما جعل الطور دكاً.
﴿فَيَذَرُهَا﴾ يقال فلان يذر الشيء أي : يقذفه لقلة اعتداده به ولم يستعمل ماضيه أي : وذر والمعنى فيترك مقارها ومراكزها حال كونها ﴿قَاعًا﴾ مكاناً خالياً وأصله قوع.
قال في "القاموس" القاع أرض سهلة مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال والآكام انتهى ﴿صَفْصَفًا﴾ مستوياً كأن أجزاءها على صنف واحد من كل جهة.
﴿لا تَرَى فِيهَا﴾ أي : في مقار الجبال لا بالبصر ولا بالبصيرة استئناف مبين لكيفية القاع الصفصف والخطاب لكل أحد ممن يتأتى منه الرؤية ﴿عِوَجًا﴾ بكسر العين أي : عوجاً ما كأنه لغاية خفائه من قبيل خافي المعاني وذلك لأن العوج بالكسر يخص المعاني.
قال في
٤٢٧
"المفردات" العوج العطف عن حال الانتصاب والعوج يقال فيما يدرك بالبصر كالخشب المنتصب ونحوه والعوج يقال فيما يدرك بفكر وبصيرة كما يكون في أرض بسيطة وكالدين والمعاش ﴿وَلا أَمْتًا﴾ ارتفاعاً يسيراً.
قال الزمخشري الأمت النتوء اليسير.
وفي "القاموس" الأمت المكان المرتفع والتلال الصغار والانخفاض والارتفاع.
قال في "المناسبات" ﴿وَلا أَمْتًا﴾ أي : تفاوتاً بارتفاع وانخفاض.
وفي "الجلالين" ﴿عِوَجًا وَلا أَمْتًا﴾ انخفاضاً وارتفاعاً ومثله ما في تفسير الفارسي حيث قال :(عوجا ستى دفرمناره ولا امتا ونه بلندى وشته).
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٦