﴿يَوْمَـاـاِذٍ﴾ أي : يوم إذ يقع ما ذكر من الأمور الهائلة ﴿لا تَنفَعُ الشَّفَـاعَةُ﴾ من الشفعاء أحداً.
قال الإمام الراغب الشفاعة الانضمام إلى آخر ناصراً له وسائلاً عنه وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى مرتبة إلى من هو أدنى ومنه الشفاعة في القيامة ﴿إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـانُ﴾ في أن يشفع له والإذن في الشيء إعلام بإجازته والرخصة فيه ﴿وَرَضِىَ لَه قَوْلا﴾ أي : ورضي لأجله قول الشافع في شأنه وأما من عداه فلا تكاد تنفعه وإن فرض صدورها عن الشفعاء المتصدين للشفاعة للناس كقوله تعالى :﴿فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَـاعَةُ الشَّـافِعِينَ﴾ فالاستثناء من أعم المفاعيل.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٨
﴿يَعْلَمُ﴾ الله تعالى ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ أي : ما تقدمهم من الأحوال ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ وما بعدهم مما يستقبلون والضمير عائد إلى الذين يتبعون الداعي.
وقال الكاشفي :(ميداند خداى تعالى آنه يش آدميانست ازامور آخرت وآنه س ايشانست ازكار دنيا).
وفي "التأويلات النجمية" : يعلم اختلاف أحوالهم من بدء خلقهم واختلاف أحوالهم إلى الأبد ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِهِ﴾ تعالى ﴿عِلْمًا﴾ (يعني : أحاط نمى توانند كرد جميع عالميان بذات خداى تعالى ازجهت دانش) لأنه تعالى قديم وعلم المخلوقين لا يحيط بالقديم.
وفيه إشارة
٤٢٩
إلى العجز عن كنه معرفته.
كجا دريابد اورا عقل الاك
كه بيرونست از سرحد ادراك
تماشا ميكن اسما وصفاتش
كه آكه نيست كس از كنه ذاتش
قال بعض الكبار ما علمه غيره ولا ذكره سواه فهو عالم والذاكر على الحقيقة وذلك أن الحادث فاني الوجود والقديم باقي الوجود والفاني لا يدرك الباقي إلا بالباقي وإذا أدركه به فلا يبلغ إلى ذرة من كمال الأزلية لأن الإحاطة بوجوده مستحيلة من كل الوجوه صفاتاً وذاتاً وسراً وحقيقة.
قال الواسطي : كيف يطلب أن يأخذ طريق الإحاطة وهو لا يحيط بنفسه علماً ولا بالسماء وهو يرى جوهرها.
قال الراغب الإحاطة بالشيء هي أن تعلم وجوده وجنسه وكيفيته وغرضه المقصود به ءيجاده وما يكون به ومنه وذلك ليس إلاتعالى.
قال في "أنوار المشارق" : يجوز في طريقة الصوفية أن يطلب ما يقصر العقل عنه ولا يطيقه أي : ما لا يدرك بمجرد العقل ولا يجوز أن يطلب ما يحكم العقل باستحالته فلا يرد ما يقال أنى يحصل للعقول البشرية أن يسلكوا في الذات الإلهية سبيل الطلب والتفتيش وأنى تطيق نور الشمس أبصار الخفافيش.
قال الشيخ محمد ارسافى "فصل الخطاب" : لا يجوز أن يظهر في طور الولاية ما يحكم العقل باستحالته ويجوز أن يظهر فيه ما يقصر العقل عنه ومن لم يفرق بين ما يستحيله العقل وما لا يناله العقل فليس له عقل انتهى.
قال الشيخ عز الدين كنه ذات الحق تعالى وصفاته محجوب عن نظر العقول ونهاية معرفة العارفين هو أن ينكشف لهم استحالة معرفة حقيقة ذات الله لغير الله وإنما اتساع معرفتهم بالله إنما يكون في معرفة أسمائه وصفاته تعالى فبقدر ما تنكشف لهم معلوماته تعالى وعجائب مقدوراته وبديع آياته في الدنيا والآخرة يكون تفاوتهم في معرفته سبحانه وبقدر التفاوت في المعرفة يكون تفاوتهم في الدرجات الأخروية العالية.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٨
﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَىِّ الْقَيُّومِ﴾ يقال عنوت فيهم عنواً وعناه صرت أسيراً كعنيت وخضعت كما في "القاموس" وإنما قيل عنت دون تعنو إشعاراً بتحقق العنو وثبوته كما في "بحر العلوم".
واللام في الوجوه للجنس إشارة إلى الوجوه كلها صالحة وعاصية أو للعهد والمراد بها وجوه العصاة كقوله تعالى :﴿سِيائَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ (الملك : ٢٧) وعبر عن المكلفين بالوجوه لأن الخضوع فيها يتبين كما في "الكبير".
والمعنى ذلت الوجوه يوم الحشر وخضعت للحي القيوم خضوع العناة أي : الأسارى في يد ملك قهار.
وفي "التأويلات النجمية" : خضعت وتذللت وجوه المكونات لمكونها الحي الذي به حياة كل حي القيوم الذي به قيام كل شيء احتياجاً واضطراراً واستسلاماً.
وفي "العرائس" : افهم يا صاحب العلم أنه سبحانه ذكر الوجوه وفي العرف صاحب الوجه من كان وجيهاً من كل ذي وجاهة فالأنبياء والمرسلون والأولياء والمقربون بالحقيقة هم أصحاب الوجوه وكيف أنت بوجوه الحور العين ووجه كل ذي حسن فوجوه الجمهور مع حسنها وجلالها المستفاد من حسن الله وإن كانوا جميعاً مثل يوسف تلاشت وخرت وخضعت عند كشف نقاب وجهه الكريم وظهور جماله وجلاله القديم، قال المولى جامي :
آهنك جمال جاودانى آرم
حسنى كه نه جاودان ازان بيزارم
٤٣٠