وتكريم.
وقال البيضاوي اذكر حاله في ذلك الوقت ليتبين لك أنه نسي ولم يكن من أولى العزيمة والثبات انتهى.
وفيه إشارة إلى استحقاقه لسجودهم لمعان جمة : منها لأنه خلق لأمر عظيم هو الخلافة فاستحق لسجودهم، ومنها لأن الله تعالى جعله مجمع مجرى عالمي الخلق والأمر والملك والملكوت والدنيا والآخرة فما خلق شيئاً في عالم الخلق والدنيا إلا وقد جعل في قالبه أنموذجاً منه وما خلق شيئاً في عالم الأمر والآخرة إلا وقد أودع في روحه حقائقه وأما الملائكة فقد خلقت من عالم الأمر والملكوت دون عالم الخلق والملك فبهذه النسبة اختص آدم بالكمال وما دونه بالنقصان فاستحق السجود والكمال، ومنها لأنه خلق روحه في أحسن تقويم من بين سائر الأرواح من الأرواح الملكية وغيرها وخلقت صورته في أحسن صورة على صورة الرحمن والملائكة وإن خلقت في حسن ملكي روحاني لم يخلقوا في حسن صورته فله الأفضلية في كلا الحالين فاستحق لسجودهم بالأفضلية، ومنها لأنه شرف في تسوية قالبه بتشريف خمر طينة آدم بيده أربعين صباحاً وباختصاص لما خلقت بيدي وأكرم في تعلق روحه بالقالب بكرامة ونفخت فيه من روحي فألزمهم سجود الكرامة بقوله فقعوا له ساجدين وأثبت له استحقاق سجودهم بقوله :"يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي" ومنها لأنه اختص بعلم الأسماء كلها وأنهم قد احتاجوا في أنباء أسمائهم كما قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فوجب عليهم أداء حقوقه بالسجود، ومنها : لأنه لما خلقه الله تعالى تجلى فيه بجميع صفاته فاسجد الله تعالى ملائكته إياه تعظيماً وتكريماً وإعزازاً وإجلالاً فإنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فسجدوا إلا إبليس أبى أن يسجد وذلك لأن الله تعالى لما قال للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة إلي ونقدس لك كان هذا الكلام منهم نوع اعتراض على الله وجنس غيبة لآدم وإظهار فضيلة لأنفسهم عليه فأجابهم الله بقوله إني أعلم ما لا تعلمون أي : إني أودعت فيه من علم الأسماء واستعداد الخلافة ما لا تعرفونه به فله الفضيلة عليكم فاسجدوا له كفارة لاعتراضكم واستغفاراً لغيبته وتواضعاً لأنفسكم فأقر الملائكة واعترفوا بما جرى عليهم من الخطأ وتابوا واستسلموا لأحكام الله تعالى فسجدوا لآدم وأما إبليس فقد أصر على ذنب الاعتراض والغيبة والعجب بنفسه ولم يستسلم لأحكام الله وزاد في الاعتراض والغيبة والعجب فقال : أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين وأبى أن يسجد كذا في "التأويلات" ﴿فَسَجَدُوا﴾ تعظيماً لأمر ربهم وامتثالاً له ﴿إِلا إِبْلِيسَ﴾ فإنه لم يسجد ولم يطرح أردية الكبر ولم يخفض جناحه، وفي "المثنوي" :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٣٣
آنكه آدم را بدن ديد اورميد
وانكه نور مؤتمن ديد او خميد
يقال أبلس يئس وتحير ومنه إبليس أو هو أعجمي كما في "القاموس" كأنه قيل ما باله لم يسجد فقيل :﴿أَبَى﴾ السجود وامتنع منه.
قال في "المفردات" : الإباء شدة الامتناع فكل إباء امتناع وليس كل امتناع إباء.
﴿فَقُلْنَا﴾ عقيب ذلك اعتناء بنصحه يا اـاَادَمُ إِنَّ هَـاذَا} الحقير الذي رأيت ما فعل ﴿عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ﴾ حواء والزوج اسم للفرد بشرط أن يكون معه آخر من جنسه ذكراً كان أو أنثى.
ولعداوته وجوه :
الأول : أنه كان حسوداً فلما رأى
٤٣٥
نعم الله على آدم حسده فصار عدواً له.
وفيه إشارة إلى أن كل من حسد أحداً يكون عدواً له ويريد هلاكه ويسعى في إفساد حاله.
والثاني أنه كان شاباً عالماً وإبليس شيخاً جاهلاً لأنه أثبت فضيلته بفضيلة أصله وأنه جهل والشيخ الجاهل يكون أبداً عدو الشاب العالم :
زد شيخ شهر طعنه بر اسرار اهل دل
المرء لا يزال عدواً لما جهل


الصفحة التالية
Icon