﴿فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا﴾ يقال بدا الشيء بدوّا ظهر ظهوراً بيناً وكنى عن الفرج بالسوءة لأنه يسوء الإنسان انكشافه أي : يغمه ويحزنه.
قال الكاشفي :(يعني لباس جنت ازايشان بريخت وبرهنه شدند).
قال ابن عباس : إنهما عريا عن النور الذي كان الله البسهما إياه حتى بدت فروجهما.
وقيل : كان لباسهما الظفر فلما أصابا الخطيئة نزع عنهما وتركت هذه البقايا في أطراف الأصابع.
وقيل : كان لباسهما لخلة.
وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : قال عليه السلام :"إن أباكم آدم كان رجلاً طويلاً كالنخلة السحوق كثير الشعر مواري العورة فلما واقع الخطيئة بدت سوءته فانطلق في الجنة هارباً فمر بشجرة فأخذت بناصيته فأجلسته فناداه ربه أفراراً مني يا آدم؟ قال : لا يا رب ولكن حياء منك".
قال الحصيري : بدت لهما ولم تبد لغيرهما لئلا يعلم الأغيار من مكافأة الجناية ما علما ولو بدت للأغيار لقال بدت منهما ﴿وَطَفِقَا﴾ شرعاً يقال طفق يفعل كذا أي : أخذ وشرع ويستعمل في الإيجاب دون النفي لا يقال ما طفق ﴿يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾ في "القاموس" خصف النعل يخصفها خرزها والورق على بدنه ألزقها وأطبقها عليه ورقة ورقة أي : يلزقان الورق على سوءاتهما للتستر وهو ورق التين قيل كان مدوراً فصار على هذا الشكل من تحت أصابعهما ﴿وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ﴾ بأكل الشجرة، يعني :(خلاف كرد آدم امر روردكار خودرا درخوردن درخت) يقال عصى عصيان إذا خرج عن الطاعة وأصله أن يتمنع بعصاه كما في المفردات ﴿فَغَوَى﴾ ضل عن مطلوبه الذي هو الخلود أو عن المأمور به وعن التباعد عن الشجرة في ضمن ولا تقربا هذه الشجرة أو عن الرشد حيث اغتر بقول العدو لأن الغي خلاف الرشد.
واعلم أن
٤٣٧
المعصية فعل محرم وقع عن قصد إليه والزلة ليست بمعصية ممن صدرت عنه لأنها اسم لفعل حرام غير مقصود في نفسه للفاعل ولكن وقع عن فعل مباح قصده فإطلاق اسم المعصية على الزلة في هذه الآية مجاز لأن الأنبياء عليهم السلام معصومون من الكبائر والصغائر لا من الزلات عندنا وعند بعض الأشعرية لم يعصموا من الصغائر وذكر في "عصمة الأنبياء" ليس معنى الزلة أنهم زلوا عن الحق إلى الباطل ولكن معناها أنهم زلوا عن الأفضل إلى الفاضل وأنهم يعاتبون به لجلال قدرهم ومكانتهم من الله تعالى.
قال ابن الشيخ في "حواشيه" العصيان ترك الأمر وارتكاب المنهى عنه وهو إن كان عمداً يسمى ذنباً وإن كان خطأ يسمى زلة والآية دالة على أنه عليه السلام صدرت عنه المعصية والمصنف سماها زلة حيث قال وفي النعي عليه بالعصيان والغواية مع صغر زلته تعظيم الزلة وزجر بليغ لأولاده عنها انتهى بناء على أنه إنما ترك الانتهاء عن أكل الشجرة اجتهاداً لا بأن تعمد المعصية ووجه الاجتهاد أنه عليه السلام حمل النهي على التنزيه دون التحريم وحمل قوله تعالى :﴿هَـاذِهِ الشَّجَرَةِ﴾ على شجرة بعينها دون جنسها ومع ذلك الظاهر أن هذه الواقعة إنما كانت قبل نبوته.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٣٦
وفي "الأسئلة المقحمة" : فإن قيل فإذا كان هذا خطأ في الاجتهاد ومن اجتهد فأخطأ لا يؤخذ به فكيف آخذ آدم بذلك قلنا لم يكن هذا موضع الاجتهاد إذا كان الوحي يتواتر عليه نزوله فكان تفريطه لو اجتهد في غير الاجتهاد.
فإن قيل فهل أوحي إليه ليعلم ذلك؟ قلنا : انقطع عنه الوحي ليقضي الله تعالى ما أراده كما انقطع عن الرسول عليه السلام ثمانية عشر يوماً وقت أفك عائشة رضي الله عنها ليقضي الله تعالى ما أراده.
وفي "الكبير" فإن قيل دل هذا على الكبيرة لأن العاصي اسم ذم فلا يليق إلا بصاحب الكبيرة ولأن الغواية ترادف الضلالة وتضاد الرشد ومثله لا يتناول إلا المنهمك في الفسق وأجيب بأن المعصية خلاف الأمر والأمر قد يكون بالمندوب ويقال أمرته بشرب الدواء فعصاني فلم يبعد إطلاقه على آدم لا لأنه ترك الواجب بل لأنه ترك المندوب.
وفيه أيضاً ليس لأحد أن يقول كان آدم عاصياً غاوياً لوجوه :
الأول قال العتبي : يقال للرجل قطع ثوباً وخاطه قد قطعه وخاطه ولا يقال خائط وخياط إلا إذا عاود الفعل فكان معروفاً به والزلة لم تصدر من آدم إلا مرة فلا تطلق عليه.
والثاني : أن الزلة إن وقعت قبل النبوة لم يجز بعد أن شرف الله تعالى بالرسالة إطلاقها عليها وإن كانت بعد النبوة فكذلك بعد أن تاب كما لا يقال للمسلم التائب إنه كافر أو زان أو شارب خمر اعتباراً بما قبل إسلامه وتوبته.
والثالث : أن قولنا عاص وغاو يوهم عصيانه في الأكثر وغوايته عن معرفة الله والمراد في القصة ليس ذلك فلا يطلق دفعاً للوهم الفاسد.
والرابع : يجوز من الله ما لا يجوز من غيره كما يجوز للسيد في ولده وعبده عند المعصية قول ما لا يجوز لغيره.
قال الحسن : والله ما عصى إلا بنسيان.
قال جعفر طالع الجنان ونعيمها فنودي عليه إلى يوم القيامة وعصى آدم ولو طالعها بقلبه لنودي عليه بالهجران إلى أبد الآباد.