وفي "التأويلات النجمية" :﴿وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ﴾ بصرف محبته في طلب شهوات نفسه ﴿فَغَوَى﴾ بصرف الفناء في الله في طلب الخلود وملك البقاء في الجنة انتهى، وفي "المثنوي" :
جيست توحيد خدا آموختن
خويشتن را يش واحد سوختن
كرهمى خواهى كه بفروزى وروز
هستىء همون شب خودرا بسوز
٤٣٨
هستيت درهست آن هستى هواز
همومس دركيميا اندر كداز
سئل ابن عطاء عن قصة آدم أن الله تعالى نادى عليه بمعصية واحدة وستر على كثير من ذريته فقال : إن معصية آدم كانت على بساط القربة في جواره ومعصية ذريته في دار المحنة فزلته أكبر وأعظم من زلتهم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٣٦
﴿ثُمَّ اجْتَبَـاهُ رَبُّهُ﴾ اصطفاه وقربه بالحمل على التوبة والتوفيق لها من اجتبى الشيء بمعنى جباه لنفسه أي : جمعه ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ أي : قبل توبته حين تاب هو وزوجته قائلين ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَـاسِرِينَ﴾ ﴿وَهَدَى﴾ أي : إلى الثبات على التوبة والتمسك بأسباب العصمة.
وفيه إشارة إلى أنه لو وكل إلى نفسه وغريزته التي جبل عليها ما كانت التوبة من شأنه ولا الرجوع إلى الله من برهانه ولكنّ الله بفضله وكرمه اجتباه وبجذبة العناية رفاه وإلى حضرة الربوبية هداه وفي الحديث "لو جمع بكاء أهل الدنيا إلى بكاء داود لكان بكاؤه أكثر ولو جمع ذلك إلى بكاء نوح لكان أكثر" وإنما سمي نوحاً لنوحه على نفسه "ولو جمع ذلك كله إلى بكاء آدم على خطيئته لكان أكثر"، وفي "المثنوي" :
خاك غم را سرمه سازم بهر شم
تاز كوهر رشود دوبحر شماشك كان ازبهر او بارند خلق
كوهرست واشك ندارند خلق
توكه يوسف نيستى يعقوب باش
همو اوبا كريه وآشوب باشيش يوسف نازش وخوبى مكن
جزنياز وآه يعقوبى مكن
آخر هركريه آخر خنده ابست
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٣٩
مرد آخر بين مبارك بنده ايست قال وهب لما كثر بكاؤه أمره الله بأن يقول :"لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوأ وظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين" فقالها ثم قال :"قل سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوء وظلمت نفسي فارحمني وأنت خير الراحمين" ثم قال :"قل سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوء وظلمت نفسي فتب عليّ إنك أنت التواب" قال ابن عباس رضي الله عنهما هي الكلمات التي تلقيها آدم من ربه.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "لما اعترف آدم بالخطيئة قال : يا رب أسألك بحق محمد أن تغفر لي فقال الله : يا آدم كيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال : لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله فعرفت أنك لم تضف إلى اسمك إلا اسم أحب الخلق إليك فقال الله تعالى : صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إليّ فغفرت لك ولولا محمد ما خلقتك" رواه البيهقي في "دلائله" قال بعض الكبار إنه من لطفه وكرمه عاقب آدم في الدنيا بالمجاهدات الكثيرة بما جرى عليه من المعصية ويعاقب الجمهور في الآخرة بما جرى عليهم من المعصية في الدنيا وفي هذا خاصية له لأن عقوبة الدنيا أهون وقال مثل الشيطان مثل حية تمشي على وجه الأرض إلى رأس كنز وخلفها إنسان ليقتلها فلما ضربها وجد تحت ضربه كنزاً فصار الكنز له وصارت الحية مقتولة وبلغ إلى الأمرين العظيمين البلوغ إلى المأمول والفلاح من العدو فكذا شأن آدم مع الملعون دله على كنز من كنوز الربوبية غرضه العداوة والضلالة فوصل آدم إلى
٤٣٩
الاجتبائية الأبدية بعد الاصطفائية الأزلية وبلغ الملعون إلى اللعنة الأزلية الأبدية.
قال ابن عطاء : اسم العصيان مذموم إلا أن الاجتباء والاصطفاء منعاً أن يلحق آدم اسم المذمة.
قال الواسطي العصيان لا يؤثر في الاجتبائية وفي الحديث :"احتج آدم وموسى" احتجاجاً روحانياً أو جسمانياً بأن أحياهما واجتمعا كما ثبت في حديث الإسراء إنه عليه السلام اجتمع مع الأنبياء وصلى بهم "فقال موسى يا آدم أنت أبونا الذي خيبتنا" أي : كنت سبباً لخيبتنا عن سكون الجنة من أول الأمر "وأخرجتنا من الجنة بخطيئتك التي خرجت بها منها" قال الحافظ :
من ملك بودم فردوس برين جايم بود
آدم آورد درين دير خراب آبادم


الصفحة التالية
Icon