"فقال له آدم : أنت موسى اصطفاك الله بكلامه" أي : جعلك كليمه "وخط لك التوراة بيده أتلومني" همزة الاستفهام فيه للإنكار "على أمر قدره الله عليّ" أي : كتبه في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقني بأربعين سنة المراد منه التكثير لا التحديد.
فإن قيل العاصي منا لو قال هذه معصية قدرها الله عليّ لم يسقط عنه اللوم فكيف أنكر آدم بهذا القول على كونه ملوماً.
قلنا : أنكر اللوم من العبد بعد عفو الله عن ذنبه ولهذا قال أتلومني ولم يقل أألام على بناء المجهول أو تقول اللوم على المعاصي في دار التكليف كان للزجر وفي غيرها لا يفيد فيسقط "فحج آدم موسى فحج آدم موسى" كرره للتأكيد يعني غلب بالحجة على موسى لأنه أحال ذلك على علم الله ونبه عليه بأنه غفل عن القدر السابق الذي هو الأصل وقصر النظر على السبب اللاحق الذي هو الفرع وزاد في بعض الروايات "قال آدم بكم وجدت الله كتب لك التوراة قبل أن أخلق قال موسى أربعين عاماً قال آدم فهل وجدت فيها وعصى رسول الله عليه السلام فحج آدم موسى" قال الحافظ :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٣٩
عيب رندان مكن اى زاهدا كيزه سرشت
كه كناه دكران بر تو نخواهند نوشت
من اكرنيكم وكر بدتو برو خودرا باش
هركسى آن درود عاقبت كار كه كشت
وقال :
درين من نكنم سرزنش بخود رويى
نانكه رورشم ميدهند ميرويم
وقال :
نقش مستورى ومستى نه بدست من وتست
آنه سلطان ازل كفت بكن آن كردم
وقال :
عيبم مكن زرندى وبدنامى اى حكيم
كين بود سرنوشت زديوان قسمتم
وقال :
من اره عاشقم ورند ومست ونامه سياه
هزار شكر كه ياران شهر بى كنهند
﴿قَالَ﴾ الله تعالى لآدم وحواء بعد صدور الزلة ﴿اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعَا﴾ أي : انزلا من الجنة إلى الأرض هذا خطاب العتاب واللوم في الصورة وخطاب التكميل والتشريف في المعنى يقال هبط هبوطاً إذا نزل.
قال الراغب الهبوط الانحدار على سبيل القهر كهبوط الحجر قال تعالى :﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ (البقرة : ٧٤) وإذا استعمل في الإنسان الهبوط فعلى سبيل
٤٤٠
الاستخفاف بخلاف الإنزال فإن الإنزال ذكره الله في الأشياء التي نبه على شرفها كإنزال القرآن والملائكة والمطر وغير ذلك والهبوط ذكره حيث نبه على البغض نحو ﴿وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ (البقرة : ٣٦) وقال :﴿فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا﴾ (الأعراف : ١٣) ﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ أي : بعض أولادكم عدو لبعض في أمر المعاش كما عليه الناس من التجاذب والتحارب فيكون نظير قوله تعالى :﴿فَلَمَّآ ءَاتَـاـاهُمَا صَـالِحًا جَعَلا لَه شُرَكَآءَ﴾ أي : جعل أولادهما وجمع الخطاب باعتبار أنهما أصل الذرية ومآله بعضكم يا ذرية آدم عدو لبعض.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أنه جعل فيما بينهم العداوة لئلا يكون لهم حبيب إلا هو كما قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام :﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّى إِلا رَبَّ الْعَـالَمِينَ﴾ (الشعراء : ٧٧) ولما اختص آدم منهم بالاجتباء والاصطفاء وأهبطه إلى الأرض معهم للابتلاء وعده بالاهتداء فقال :﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم﴾ يا ذرية آدم وحواء ﴿مِّنِّى هُدًى﴾ كتاب ورسول والأصل فإن يأتينكم وما مزيدة لتأكيد معنى الشرط وما هذه مثل لام القسم في دخول النون المؤكدة معها وإنما جيء بكلمة الشك إيذاناً بأن إتيان الهدى بطريق الكتاب والرسول ليس بقطعي الوقوع وإنه تعالى إن شاء هدى وإن شاء ترك لا يجب عليه شيء ولك أن تقول إتيان الكتاب والرسول لما لم يكن لازم التحقق والوقوع أبرز في معرض الشك وأكد حرف الشرط والفعل بالنون دلالة على رجحان جهة الوقوع والتحقق ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ﴾ أي : فمن آمن بالكتاب وصدق بالرسول ﴿فَلا يَضِلُّ﴾ في الدنيا عن طريق الدين القويم ما دام حياً ﴿وَلا يَشْقَى﴾ في الآخرة بالعقاب، يعني :(برنج نيفتد در آخرت وبعقوبت وعذاب مبتلا نشود).
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٣٩
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى﴾ أي : الكتاب الذاكر لي والرسول الداعي إليّ والذكر يقع على القرآن وغيره من كتب الله كما سبق ﴿فَإِنَّ لَهُ﴾ في الدنيا ﴿مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ ضيقاً مصدر وصف به مبالغة ولذلك يستوي فيه المذكر والمؤنث.
والمعنى معيشة ذات ضنك وذلك لأن نظره مقصور على أغراض الدنيا وهو يتهالك على ازديادها وخائف من انتقاصها بخلاف المؤمن الطالب الآخرة مع أنه قد يضيق الله عليه بشؤم الكفر ويوسع ببركة الإيمان.
واعلم أن من عقوبة المعصية ضيق المعيشة والرد إلى النفس والأجناس والأكوان من ضيق المعيشة.


الصفحة التالية
Icon