وفي "التأويلات النجمية" الهدى في الحقيقة نور يقذفه الله في قلوب أنبيائه وأوليائه ليهتدوا به إليه وفي الصورة العلماء السادة والمشايخ القادة بعد الأنبياء والمرسلين ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ﴾ بالتسليم والرضى والأسوة الحسنة ﴿فَلا يَضِلُّ﴾ عن طريق الحق ﴿وَلا يَشْقَى﴾ بالحرمان وحقيقة الهجران ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى﴾ أي : عن ملازمة ذكري في اتباع هداي أي : إذا جاءه ﴿فَإِنَّ لَه مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ أي : يعذب قلبه بذل الحجاب وسد الباب فإن الذكر مفتاح القلوب والإعراض عنه سد بابها :
ذكر حق مفتاح باشد أى سعيد
تا تبكشايى در جان بى كليد
ون ملك ذكر خدارا كن غذا
اين بود دائم معاش اوليا
﴿وَنَحْشُرُهُ﴾ أي : المعرض.
قال في "بحر العلوم" : الحشر يجيىء بمعنى البعث والجمع والأول هو المراد هنا ﴿يَوْمَ الْقِيَـامَةِ أَعْمَى﴾ فاقد البصر كما في قوله تعالى :
٤٤١
﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا﴾ (الإسراء : ٩٧).
وفي "عرائس البقلى" : يعني جاهلاً بوجود الحق كما كان جاهلاً في الدنيا كما قال علي رضي الله عنه : من لم يعرف الله في الدنيا لا يعرفه في الآخرة ﴿قَالَ﴾ استئناف بياني ﴿رَبِّ﴾ (اى روردكارمن) ﴿لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا﴾ أي : في الدنيا.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٤١
﴿قَالَ كَذَالِكَ﴾ أي : مثل ذلك فعلت أنت ثم فسر بقوله :﴿قَالَ كَذَالِكَ﴾ أي : آيات الكتاب أو دلائل القدرة وعلامات الوحدة واضحة نيرة بحيث لا تخفى على أحد ﴿فَنَسِيتَهَا﴾ أي : عميت عنها وتركتها ترك المنسي الذي لا يذكر أصلاً ﴿وَكَذَالِكَ﴾ أي : ومثل ذلك النسيان الذي كنت فعلته في الدنيا ﴿الْيَوْمَ تُنسَى﴾ تترك في العمى والعذاب جزاء وفاقاً لكن لا أبداً كما قيل بل إلى ما شاء الله ثم يزيله عنه ليرى أهوال القيامة ويشاهد مقعده من النار ويكون ذلك له عذاباً فوق العذاب وكذلك البكم والصمم يزيلهما الله عنهم أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا.
﴿وَكَذَالِكَ﴾ أي : ومثل ذلك الجزاء الموافق للجناية ﴿نَجْزِى مَنْ أَسْرَفَ﴾ في عصيانه والإسراف مجاوزة الحد في كل فعل يفعله الإنسان وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر ﴿وَلَمْ يُؤْمِنا بآيات رَبِّهِ﴾ أي : بالقرآن وسائر المعجزات بل كذبها وأعرض عنها ﴿وَلَعَذَابُ الاخِرَةِ﴾ على الإطلاق أو عذاب النار ﴿أَشَدُّ﴾ مما نعذبهم به في الدنيا من ضنك العيش ونحوه ﴿وَأَبْقَى﴾ وأدوم لعدم انقطاعه فمن أراد أن ينجو من عذاب الله وينال ثوابه فعليه أن يصبر على شدائد الدنيا في طاعة الله ويجتنب المعاصي وشهوات الدنيا فإن الجنة قد حفت بالمكاره وحفت النار بالشهوات كما ورد دعا الله جبريل فأرسله إلى الجنة فقال : انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها فرجع فقال : وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها فحفت بالمكاره فقال : ارجع إليها فانظر فرجع فقال : وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد ثم أرسله إلى النار فقال : انظر إليها وما أعددت لأهلها فرجع إليه فقال : وعزتك لا يدخلها أحد يسمع بها فحفت بالشهوات فقال : عد إليها فانظر فرجع فقال : وعزتك لقد خشيت أن لا يبقى أحد إلا دخلها.
ـ روي ـ أن أهل النار إذا انتهوا إلى أبوابها استقبلتهم الزبانية بالأغلال والسلاسل وتسلك السلسلة في فيه وتخرج من دبره وتغل يده اليسرى إلى عنقه وتدخل يده اليمنى في فؤاده وتنزع من بين كتفيه ويشد بالسلاسل ويقرن كل آدمي مع شيطان في سلسلة ويسحب على وجهه تضربه الملائكة بمقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وفي الحديث "إن أدنى أهل النار عذاباً الذي يجعل له نعلان يغلي منهما دماغه في رأسه".
فعلى العاقل أن يجتنب أسبابالعذاب والعمى ويجتهد أن لا يحشر أعمى وأشد العذاب عذاب القطيعة من الله الوهاب.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٤١
بعد حق بأشد عذاب مستهين
از نعيم قرب عشرت سازهين
هركه نا بينا شود ازآى هو
ماند در تاريك مردمهاى او
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٤١
﴿أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ﴾ الهمزة للإنكار التوبيخي والفاء للعطف على مقدر.
والهداية بمعنى التبيين والمفعول محذوف والفاعل هو الجملة بمضمونها ومعناها وضمير لهم للمشركين المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلّم والقرون جمع قرن وهو القوم
٤٤٢


الصفحة التالية
Icon