واعلم أن الاشتغال بالتسبيح استنصار من المسبح للنصر على المكذبين وأن الصلاة أعظم ترياق لإزالة الألم ولذا كان النبي عليه السلام إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة وكان آخر ما أوصى به الصلاة وما ملكت أيمانكم والآية جامعة لذكر الصلوات الخمس.
عن جرير بن عبد الله كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم فرأى القمر ليلة البدر فقال :"إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامّون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ وسبح بحمد ربك" الآية قوله :﴿لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾ بتشديد الميم من الضم أي : لا يضم بعضكم بعضاً ولا يقول أرنيه بل كل ينفرد برؤيته فالتاء مفتوحة والأصل تتضامون حذفت منه إحدى التاءين وروى بتخفيف الميم من الضيم وهو الظلم فالتاء مضمومة يعني لا ينالكم ضيم بأن يرى بعضكم دون بعض بل تستوون كلكم في رؤيته تعالى وفي الحديث :"إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً" يقال : من داوم على الصلوات الخمس في الجماعة يرفع الله عنه ضيق العيش وعذاب القبر ويعطي كتابه بيمينه ويمر على الصراط كالبرق ويدخل الجنة بغير حساب ومن تهون في الصلاة في الجماعة يرفع الله البركة من رزقه وكسبه وينزع سيما الصالحين من وجهه ولا يقبل منه سائر عمله ويكن بغيضاً في قلوب الناس ويقبض روحه عطشان جائعاً يشق نزعه ويبتلي في القبر بشدة مسألة منكر ونكير وظلمة القبر وضيقه وبشدة الحساب وغضب الرب وعقوبة الله في النار وفي الحديث :"أمتي أمة مرحومة" وإنما يدفع الله عنهم البلايا بإخلاصهم وصلواتهم ودعائهم وضعفائهم" وعن قتادة أن دانيال النبي عليه السلام نعت أمة محمد فقال :
٤٤٥
يصلون صلاة لو صلاها قوم نوح ما أغرقوا ولو صلاها قوم عاد ما أرسلت عليهم الريح ولو صلاها ثمود ما أخذتهم الصيحة فعلى المؤمن أن لا ينفك عن الصلاة والدعاء والالتجاء إلى الله تعالى ﴿وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ أصل المد الجر ومنه المدة للوقت الممتد وأكثر ما جاء الإمداد في المحبوب والمد في المكروه نحو وأمددناهم بفاكهة ونمد له من العذاب مداً والعين الجارحة بخلاف البصر ولذا قال تعالى في الحديث القدسي "كنت له سمعاً وبصراً" دون أذناً وعيناً والمعنى لا تطل نظرهما بطريق الرغبة والميل.
وقال بعضهم مد النظر تطويله وأن لا يكاد يرده استحساناً للمنظور إليه وإعجاباً به وتمنياً أن له مثله.
وفيه دليل على أن النظر الغير الممدود معفو عنه لأنه لا يمكن الاحتراز منه وذلك أن يباده الشيء بالنظر ثم يغض الطرف ولما كان النظر إلى الزخارف كالمركوز في الطباع وأن من أبصر منها شيئاً أحب أن يمد إليه نظره ويملأ عينيه قيل له عليه السلام :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٤٢