وفي "التأويلات النجمية" : يشير بقوله ﴿وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ أي عيني البصر والبصيرة وهما عين الرأس وعين القلب واختص النبي عليه السلام بهذا الخطاب واعتز بهذا العتاب لمعنيين أحدهما لأنه مخصوص من جميع الأنبياء بالرؤية ورؤية الحق لا تقبل الشرك كما أن اللسان بالتوحيد لا يقبل الشرك والقلب بالذكر لا يقبل الشرك أو قال اذكر ربك إذا نسيت أي : بعد نسيان ما سواه فكذلك الرؤية لا تقبل الشرك وهو مد العينين ﴿إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِه أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا﴾ وهو الدنيا والآخرة لكن اكتفى بذكر الواحد عن الثاني والأزواج أهل الدنيا والآخرة أي : اغسل عيني ظاهرك وباطنك بماء العزة عن وصمة رؤية الدنيا والآخرة لاستحقاق اكتحالهما بنور جلالنا لرؤية جمالنا وإنما متعنا أهل الدارين بهما عزة لحضرة جلالنا ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ باشتغالهم بتمتعات الدارين عن الوصول إلى كمال رؤية جمالنا.
قيل : قرىء عند الشبلي قدس سره ﴿أَصْحَـابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِى شُغُلٍ فَـاكِهُونَ﴾ فشهق شهقة وقال مساكين لا يدرون عمن شغلوا حين شغلوا ﴿وَرِزْقُ رَبِّكَ﴾ أي : ما ادخر لك في الآخرة من الثواب أو ما أوتيته من يسير الكفاية مع الطاعة والرزق يقال للعطاء دنيوياً كان أو أخروياً وللنصيب تارة ولما يوصل إلى الجوف ويتغذى به تارة ﴿خَيْرٌ﴾ لك مما منحهم في الدنيا لأنه مع كونه في نفسه أجل ما يتنافس فيه المتنافسون مأمون الغائلة بخلاف ما منحوه ﴿وَأَبْقَى﴾ فإنه لا يكاد ينقطع أبداً.
قال الكاشفي :(در كشف الاسرار آورده كه زهر درلغت شكوفه است حق سبحانه وتعالى دينارا شكوفه خواند زيرا كه تروتا زكى اودوسه روزه بيش نباشد در اندك فرصتى زمرده كردد ونيست شود) :
٤٤٧
مال جهان بباغ تنعم شكوفه ايست
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٤٦
كاول بجلوه دل بربايد زاهل حال
يكهفته نكذردكه فرو ريزد ازدرخت
برخاك ره شود وخس وخاك ايمال
اهل كمال در دل خود جا را دهند
آنراكه دمبدم زى است آفت زوال
فعلى العاقل أن يختار الرزق الذي هو الباقي ولا يلتفت إلى النعيم الذي هو الفاني ويقنع بما في يده من القوت إلى أن يموت، قال الشيخ سعدي قدس سره :
كر آزاده برزمين خسب وبس
مكن بهرفانى زمين بوس كس
نيرزد عسل جان من زخم نيش
قناعت نكوتر بدوشاب خويش
خداوند زان بنده خرسند نيست
كه راضى بقسم خداوند نيست
مندار ون سركه خود خورم
كه جور خداوند حلوا برم
قناعت كن اى نفس براندكى
كه سلطان ودرويش بينى يكى
كند مردرا نفس اماره خوار
اكر هو شمندى عزيزش مدار
ثم إن الرزق المعتبر غاية الاعتبار ما صار غذاء للروح القدسي من العلم والحكمة والفيض الأزلي والتجلي، وفي "المثنوي" :
فهم نان كردى نه حكمت اى رهى
زانكه حق كفت كلوا من رزقه
رزق حق حكمت به بود در مرتبت
كان كلو كيرت نباشت عاقبت
اين دهان بستى دهانى بازشد
كه خورنده لقمهاى رازشد
كر زشير ديوتن را وابرى
در فطام اوبسى نعمت خورى
﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلواةِ﴾ يعني : كما أمرناك بالصلاة فأمر أنت أهل بيتك فإن الفقير ينبغي أن يستعين بها على فقره ولا يهتم بأمره المعيشة ولا يلتفت إلى جانب أهل الغنى ﴿وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ وداوم أنت وهم عليها غير مشتغل بأمر المعاش فكان النبي صلى الله عليه وسلّم يذهب إلى فاطمة وعلي كل صباح ويقول :"الصلاة" كان يفعل ذلك أشهراً.
قال في "عرائس البقلى" : الاصطبار مقام المجاهدة والصبر مقام المشاهدة.
قال ابن عطاء أشد أنواع الصبر الاصطبار وهو السكون تحت موارد البلاء بالسر والقلب والصبر بالنفس لا غير ﴿لا نَسْـاَلُكَ رِزْقًا﴾ أي : لا نكلفك أن ترزق نفسك ولا أهلك إنما نسألك العبادة ﴿نَّحْنُ نَرْزُقُكَ﴾ وإياهم ففرغ بالك لأمر الآخرة فإن من كان في عمل الله كان الله في عمله ﴿وَالْعَـاقِبَةُ﴾ الحميدة وهي الجنة فإن إطلاقها يختص بالثواب وبالفارسية (وسر انجام سنديده) ﴿لِلتَّقْوَى﴾ أي لأهل التقوى يعني لك ولمن صدقك لا لأهل الدنيا إذ هي مع الآخرة لا تجتمعان فهو على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه تنبيهاً على أن ملاك الأمر هو التقوى وهو ذم النفس والجوارح عن جميع ما يقبحه العلم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٤٦
ـ روي ـ أنه عليه السلام كان إذا أصاب أهله ضر أمرهم بالصلاة وتلا هذه الآية.
قال وهب بن منبه : إن الحوائج لم تطلب من الله تعالى بمثل الصلاة وكانت الكرب العظام تكشف عن الأولين بالصلاة وقلما نزلت بأحد منهم كرب إلا وكان مفزعه إلى الصلاة وقال الله تعالى في قصة يونس :﴿فَلَوْلا أَنَّه كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ﴾ (الصافات : ١٤٣).
قال ابن عباس
٤٤٨


الصفحة التالية
Icon