قال في "التأويلات النجمية" : والآية وإن نزلت في منكري البعث من الكفار فهي تعم أكثر مدعي الإسلام في زماننا هذا فإنه لا يحدث الله في عالم رباني من أهل الذكر وهم أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته سراً من أسرار القرآن وحقيقة من حقائق العلوم اللدنية إلا أسمعه أهل العزة بالله وهم يستهزئون به وينكرونه عليه لاهية قلوبهم بمتابعة الهوى متعلقة بشهوات الدنيا ساهية عن ذكر الله غافلة عن طلبه وتناجوا في السر الذين ظلموا أنفسهم بالإنكار على أن الأسرار يقولون فيه ما يأتيكم به من الكلام المموه وأنتم تبصرون أنه مموه كالسحر قل أمرهم إلى الله فإنه يعلم قول أهل السماء سماء القلوب وقول أهل الأرض النفوس وهو السميع لأقوال أهل القلوب وأقوال أهل النفوس وإنكارهم العليم بما في ضمائرهم وبأفعالهم وأوصافهم وأوصاف سرائرهم بل قالوا كلام المحققين خيالات فاسدة وقال بعض المنكرين بل اختلقه من نفسه وادعى أنه من مواهب الحق وقال بعضهم بل هو شاعر أي : يقول ما يقول بحذاقة النفس وقوة الطبع والذكاء ثم قال بعضهم لبعض فليتأتنا هذا المحق بكرامة ظاهرة كما أتى بها المشايخ المتقدمون ثم قال : ما آمنت قبلهم من أهل قرية من المنكرين لما رأوا كرامات أولياء الله فأهلكناهم بالخذلان والإبعاد أفهم يصدقون أرباب الحقائق إن رأوا كرامة منهم وهم طبعوا على الإنكار مثل المنكرين الهالكين وفي "المثنوي" :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٥٤
مغزراً خالى كن ازانكار يار
تاكه ريحان يابد از كلزار يارتا بيابى بوى خلد از يار من
ون محمد بوى رحمان ازيمن
يك مناره درثناى منكران
كو درين عالم كه تاباشد نشانمنبرى كوكه برآنجا مخبرى
ياد آرد روزكار منكرى
روى دينار ودرم از نامشان
تا قيامت ميدهد ازحق نشان
سكه شاهان همى كردد دكر
سكه احمد ببين تا مستقر
برزخ نقره وياروى زرى
وانما برسكه نام منكرى
هركه باشد همنشين دوستان
هست دركلخن ميان بوستان
هركه بادشمن نشيند درزمن
هست او در بوستان دركولخن اللهم اجعلنا من المجالسين لأهل الودّ والولا واحشرنا معهم بحق الملأ الأعلى.
﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلا رِجَالا﴾ جواب لقولهم هل هذا إلا بشر مثلكم أي : وما أرسلنا إلى الأمم قبل إرسالك إلى أمتك إلا رجالاً مخصوصين من أفراد الجنس مستأهلين ومثله في الفارسية (كلمه مرد) ﴿نُّوحِى إِلَيْهِمْ﴾ بواسطة الملك ما نوحي من الشرائع والأحكام وغيرها من القصص والأخبار كما نوحي إليك من غير فرق بينهما في حقيقة الوحي وحقيقة مدلوله كما لا فرق بينك وبينهم في البشرية
٤٥٥
فما لهم لا يفهمون أنك لست بدعا من الرسل وأن ما أوحي إليك ليس مخالفاً لما أوحي إليهم فيقولون ما يقولون.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أنه تعالى يظهر في كل قرن رجالاً بالغين من متابعي الأنبياء ويخصهم بوحي الإلهام كما أظهر في زمان عيسى عليه السلام الحواريين من متابعيه وأوحى إليهم كما قال تعالى :﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّـانَ أَنْ ءَامِنُوا بِى وَبِرَسُولِى﴾ (المائدة : ١١١) ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُّوحِى﴾ قد سبق أن الذكر يطلق على الكتب الإلهية أي : إن كنتم لا تعلمون ما ذكر فاسألوا أيها الكفرة الجهلة أهل الكتاب الواقفين على أحوال الرسل السالفة لتزول شبهتكم أمروا بذلك لأن إخبار الجم الغفير يوجب العلم لا سيما وهم كانوا يشايعون المشركين في عداوته عليه السلام ويشاورونهم في أمره وكانوا لا ينكرون كون الرسل بشراً وإن أنكروا نبوته عليه السلام.
ـ روي ـ أنه قيل للإمام الغزالي رحمه الله بماذا حصل لكم الإحاطة بالأصول والفروع فتلا هذه الآية وأشار إلى أن السؤال من أسباب العلم وطرائقه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٥٤
﴿وَمَا جَعَلْنَـاهُمْ﴾ أي : الرسل ﴿جَسَدًا﴾ الجسد جسم الإنسان والجن والملائكة.
قال الراغب : الجسد كالجسم لكنه أخص فإن الجسد ما له لون والجسم يقال لما لا يبين له لون كالماء والهواء ونصبه على أنه مفعول ثان للجعل لا بمعنى جعله جسداً بعد أن لم يكن كذلك كما هو المشهور من معنى التصيير بل بمعنى جعله كذلك ابتداء على طريقة قولهم سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل ﴿لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ﴾ صفة له والطعام البر وما يؤكل والطعم تناول الغذاء أي : وما جعلناهم جسداً مستغنياً عن الأكل والشرب بل محتاجاً إلى ذلك لتحصيل بدل ما يتحلل منه ﴿وَمَا كَانُوا خَـالِدِينَ﴾ لأن مآل التحلل هو الفناء لا محالة والخلود تبرىء الشيء من اعتراض الفساد وبقاؤه على الحالة التي هو عليها والمراد إما المكث المديد كما هو شأن الملائكة أو الأبدي وهم معتقدون أنهم لا يموتون.
والمعنى جعلناهم أجساداً متغذية صائرة إلى الموت بالآخرة على حسب آجالهم لا ملائكة ولا أجساداً مستغنية عن الأغذية مصونة عن التحلل كالملائكة فلم يكن لها خلود كخلودهم.


الصفحة التالية
Icon