قال في "التأويلات النجمية" : جل جلال قدس حضرتنا عن أمثال هذه التدنسات وعز جناب كبريائنا عن أنواع هذه الوصمات وقد تنزه عن أمثالها الملائكة المقربون وهم عبادنا المكرمون المخلوقون فالحضر الخالقية أولى بالتنزه عن أمثالها انتهى.
وإن للشرط على سبيل الفرض والتقدير وجواب إن محذوف لدلالة الجواب المتقدم عليه أي : إن كنا فاعلين لاتخذناه.
٤٦٠
﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَـاطِلِ﴾ إضراب عن اتخاذ الولد وإرادته كأنه قيل لكنا لا نريده بل شأننا أن نغلب الحق الذي من جملته الجد والإيمان والقرآن ونحوها على الباطل الذي من جملته اللهو والكفر والأباطيل الأخر.
قال الراغب القذف الرمي البعيد ولاعتبار البعد فيه قيل منزل قذف وقذيف وبلدة قذوف طروح بعيدة والباطل نقيض الحق وهو الذي لا ثبات له عند الفصح عنه ﴿فَيَدْمَغُهُ﴾ فيهلكه ويعدمه.
قال أهل التفسير إنما استعار لذلك أي : للتغليب والتسليط وإيراد الحق على الباطل القذف وهو الرمي الشديد المستلزم لصلابة المرمى ولمحوه وإعدامه الباطل وهو كسر الشيء الرخو الأجوف وهو الدماغ بحيث يشق غشاءه المؤدي إلى زهوق الروح تصويراً لإبطاله به فشبه الحق بجرم صلب كالماس أو الياقوت مثلاً قذف به على جرم رخو أجوف من قزاز أو تراب فمحقه وأعدمه.
قال "صاحب المفتاح" : أصل استعمال القذف والدمغ في الأجسام ثم استعير القذف لإيراد الحق على الباطل والدمغ لإذهاب الباطل ومحوه فالمستعار منه حسي والمستعار له عقلي أي : ففيه تشبيه المعقول بالمحسوس عبر عن الصورة المقولة بما يدل على الهيئة المحسوسة لتتمكن تلك الهيئة المعقولة في ذهن السامع فضل تمكن ﴿فَإِذَا هُوَ﴾ (س آنجا او) ﴿زَاهِقٌ﴾ أي : ذاهب بالكلية والزهوق ذهاب الروح ويقال زهقت نفسه خرجت من الأسف وفي إذا المفاجأة والجملة الإسمية من الدلالة على كمال المسارعة في الذهاب والبطلان ما لا يخفى فكأنه زاهق من الأصل وذكره لترشيح المجاز فإن ذهاب الروح إنما يلائم المستعار منه أي : المعنى الأصلي للدمغ فإن الدماغ مجمع الحواس وإذا بلغت الشجة إليه يموت الحيوان.
وفي "التأويلات النجمية" للحق ثلاث مراتب وكذا للباطل مرتبة أفعال الحق ومرتبة صفات الحق ومرتبة ذات الحق تعالى فأما أفعال الحق فهي ما أمره الله به العباد فبها يدمغ باطل ما نهى الله عنه وأما صفات الحق فبتجليها يدمغ باطل صفات العبد وأما ذات الحق فإذا تجلى الله بذاته يدمغ باطل جميع الذوات كما قال تعالى :﴿كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ﴾ (القصص : ٨٨) ويدل عليه ﴿وَقُلْ جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَـاطِلُ﴾ (الإسراء : ٨١) ولعل من قال أنا الحق إنما قال عند تجلي ذات الحق أو صفة حقيقته لذاته الباطل إذا زهق باطل ذاته عند مجيىء الحق فأخبر الحق عن ذاته بلسان اتصف بصفة الحق فقال أنا الحق، قال المغربي قدس سره :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٦٠
ناصر ومنصور ميكويد انا الحق المبين
بشنواز ناصركه آن كفتاراز منصور نيست
وقال الخجندي قدس سره :
هركه بدار فنا جبه هستى بسوخت
رمز سوى الله بخواند سرانا الحق شنود
وقال :
أسرار أنا الحق سخهن نيك بلندست
معنى نين جز بسردار نيابى
﴿وَلَكُمُ الْوَيْلُ﴾ قال الأصمعي ويل قبوح وقد يستعمل في التحسر وويس استصغار وويح ترحم ومن قال ويل واد في جهنم فإنه لم يرد أن ويلاً في اللغة هو موضوع لهذا وإنما أراد أن من قال الله تعالى فيه ذلك فقد استحق مقراً من النار وثبت ذلك له.
والمعنى استقر لكم الهلاك أيها المشركون ﴿مِمَّا تَصِفُونَ﴾ من تعليلية متعلقة بالاستقرار أي : من أجل وصفكم له سبحانه
٤٦١
بما لا يليق بشأنه الجليل من المرأة والولد ووصف كلامه بأنه سحر وأضغاث أحلام ونحو ذلك من الأباطيل.