﴿أَمِ اتَّخَذُوا ءَالِهَةً﴾ أم منقطعة مقدرة ببل مع الهمزة ومعنى الهمزة إنكار الوقوع لا إنكار الواقع والضمير للمشركين والمراد بالآلهة الأصنام ﴿مِّنَ الأرْضِ﴾ متعلق باتخذوا بمعنى ابتدأوا اتخاذها من الأرض بأن صنعوها ونحتوها من بعض الحجارة أو من بعض جواهرها كالشبة والصفر ونحوهما والمراد به تحقير المتخذ لا التخصيص ﴿هُمْ يُنشِرُونَ﴾ يقال : أنشره الله أحياه أي : يبعثون الموتى والجملة صفة الآلهة وهو الذي يدور عليه الإنكار والتجهيل والتشنيع لا نفس الاتخاذ فإنه واقع لا محالة بل اتخذوا آلهة من الأرض هم خاصة مع حقارتهم وجماديتهم ينشرون الموتى كلا فإن ما اتخذوها آلهة بمعزل عن ذلك وهم وإن لم يقولوا بذلك صريحاً فإنهم لم يثبتوا الإنشارتعالى كما قالوا من يحيي العظام وهي رميم فكيف يثبتونه للأصنام لكنهم حيث ادعوا لها الآلهية فكأنهم ادعوا لها الإنشار ضرورة أنه من الخصائص الإلهية حتماً.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٦٠
﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلا اللَّهُ﴾ تنزيه لنفسه عن الشريك بالنظر العقلي وإلا بمعنى غير على أنها صفة آلهة أي : لو كان في السموات والأرض آلهة غير الله كما هو اعتقادهم الباطل سواء كان الله معهم أو لم يكن.
قال في "الأسئلة المقحمة" : كيف قال لو كان فيهما فجعل السموات ظرفاً وهو تحديد والجواب لم يرد به معنى الظرف وإنما هو كقوله :﴿وَهُوَ الَّذِى فِى السَّمَآءِ إِلَـاهٌ وَفِى الارْضِ إِلَـاهٌ﴾ ﴿لَفَسَدَتَا﴾ الفساد خروج الشيء عن الاعتدال قليلاً كان الخروج عنه أم كثيراً ويضاده الصلاح ويستعمل ذلك في النفس والبدن والأشياء الخارجة عن الاستقامة أي : لخرجتا عن هذا لنظام المشاهد لأن كل أمر بين الإثنين لا يجري على نظام واحد والرعية تفسد بتدبير الملكين وحيث انتفى التالي تعين انتفاء المقدم.
قال في "التأويلات النجمية" : إن هذه الآلهة لا تخلو إما أن يكون كلهم متساوياً في الألوهية وكمال القدرة أو بعضهم كامل وبعضهم ناقص وإما أن يكون كلهم ناقصاً يحتاج بعضهم إلى بعض في الإلهية وإما كمالية بعضهم وناقصية بعضهم فهو يقتضي استغناء الكامل عن الناقص فالناقص لا يصلح للإلهية.
وأما الناقصون الذين يحتاجون إلى إعانة بعضهم لبعض فلا يصلحون للآلهية لأنهم محتاجون إلى مكمل واحد مستغن عما سواه وهو الله الواحد الأحد الصمد الغني عما سواه وما سواه محتاج إليه ولو كان فيهما آلهة غيره لفسدتا لعدم مدبر كامل في الإلهية ولعجز آلهة أخرى في المدبرية :
٤٦٣
درد وجهان قادر ويكتا تويى
جمله ضعيفند وتوانا تويى
ون قدمت بانك برابلق زند
جزتوكه يارو كه انا الحق زند
﴿فَسُبْحَـانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ أي : نزهوه تنزيهاً عما يصفونه به من اتخاذ الشريك والصاحبة والولد لأن ذلك من صفات الأجسام ولو كان الله جسماً لم يقدر على خلق العالم وتدبير أمره ولم يكن مبدأ له على أن الجسم مركب ومتحيز وذلك من إمارات الحدوث وجواز الوجود وواجب الوجود متعال عن ذلك.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٦٣
قال في "التأويلات النجمية" : نزه الله نفسه عن العجز والاحتياج لغيره في الإلهية وأثبت أنه خالق العرش الذي هو مصدر فيض الرحمانية إلى المكونات لنفي الإلهية عن غيره منزهاً عما يصفون باحتياجه إلى العرش أو بآلهة أخرى في الإلهية، وفي "المثنوي" :
واحد اندر ملك او را يارانى
بندكانش را جزاو سالارنىنيست خلقش را دكركس مالكى
شر كتش دعوى كند جزها لكى
قال بعض الكبار افترى العادلون عن الله إلى غيره كالطبائعيين القائلين بأن جميع التأثيرات الواقعة إنما هي من مقتضيات الطبيعة كديمقراطيس واتباعه والسوفسطائيين المنكرين لجميع الموجودات حتى أنفسهم وإنكارهم وأما الثنوية أعني القائلين بالهين اثنين أحدهما مصدر للخيرات والآخر مصدر للشرور فإنهم قد لعنوا على لسان أهل الإشراف الكشفي والبرهاني ليس لجسد قلبان ولا لبدن نفسان ولا للسماء شمسان شهد الأخبار بواحد وهو منتهى الأعيان لو حصل شمسان لانطمست الأركان أبي النظام شمسا أخرى فكيف لا يأبى إلهاً آخر إن كان للقيوم شريك فأين شمسه لأنها أكمل النيرات فخالقها أكمل ممن لم يخلق مثلها ومن غيره أكمل منه لا يكون واجباً لذاته لأن الوجوب الذاتي من خصائص الكمال التام فحيث لم نجد شمساً أخرى عرفنا أنه ليس في الوجود إله آخر :
يشهد الله أينما يبدو
أنه لا إله إلا هو


الصفحة التالية
Icon