يقول الفقير : العبادة طريق المعرفة وهي طريق الرؤية فالرؤية أعلى من المعرفة لأن العارفين مشتاقون إلى منازل أهل الوصال والواصلون لا يشتاقون إلى منازل أهل المعرفة والمعرفة يتولد منها التعب والعناء والرؤية يتولد منها السرور والرضى.
قال بعض العارفين المعرفة ألطف والرؤية أشرف والمعرفة أشد والرؤية آكد فعلى السالك أن يجتهد في تحقيق المعرفة والتوحيد ويصل إلى رؤية الحميد المجيد.
والتوحيد على ثلاث مراتب : توحيد أهل البداية وهو لا إله إلا هو وسير أهل هذا التوحيد في عالم الأجسام، وتوحيد أهل التوسط وهو لا إله إلا أنت وسير أهل هذا التوحيد في عالم الحقيقة وإلى هذه المرتبة أشار الشيخ المغربي قدس سره بقوله :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٦٧
نور هستى جمله ذرات عالم تا ابد
ميكننداز مغربى ون ماء ازمهر اقتباس
ومن لطائف الكمال الخجندي قوله :
طاس بازى بديدم از بغداد
ون جنيد ازسلوكش آكاهى
رفت درجبه وقت بازى كفت
ليس في جبتي سوى اللهي
ثم إن في الآية إشارة إلى أن أكثر الخلق من يدعون الإسلام والتوحيد ولا يميزون الحق من الباطل فيتبعون أهل الشرك والرياء والبدع والهوى والدنيا ولذا قلت عبادتهم بالإخلاص بل انتفى رعاية الشريعة بينهم ولو كان لهم استعداد وجدان الحق لوجدوا أهله أولاً ووصلوا بتسليكهم على قدمي الشريعة والطريقة إلى المعرفة والحقيقة فإنما حرموا الوصول بتضييعهم الأصول ومن الله الهداية والتوفيق ومنه الوصول إلى مقام الصدق والتحقيق.
﴿وَقَالُوا﴾ أي : حي من خزاعة ﴿اتَّخَذَ الرَّحْمَـانُ وَلَدًا﴾ من الملائكة وادعوا أنهم بنات الله وأنه تعالى صاهر سروات الجن فولدت له الملائكة.
قال الراغب الأخذ وضع الشيء وتحصيله وذلك تارة
٤٦٧
بالتناول نحو ﴿مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلا مَن وَجَدْنَا مَتَـاعَنَا عِندَهُ﴾ (يوسف : ٧٩) وتارة بالقهر نحو قوله تعالى :﴿لا تَأْخُذُه سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ﴾ (البقرة : ٢٥٥) ويقال أخذته الحمى ويعبر عن الأسير بالمأخوذ والأخيذ والاتخاذ افتعال منه فيتعدى إلى مفعولين ويجري مجرى الجعل ﴿سُبْحَـانَه﴾ أي : تنزه بالذات تنزهه اللائق به على أن السبحان مصدر من سبح أي : بعد أو أسبحه تسبيحه على أنه علم للتسبيح وهو مقول على ألسنة العباد أو سبحوه تسبيحه.
قال في "بحر العلوم" ويجوز أن يكون تعجباً من كلمتهم الحمقاء أي : ما أبعد من ينعم بجلائل النعم ودقائقها وما أعلاه عما يضاف إليه من اتخاذ الولد والصاحبة والشريك انتهى.
وقال في "الكشف" التنزيه لا ينافي التعجب ﴿بَلِ﴾ ليست الملائكة كما قالوا بل هم ﴿عِبَادِ﴾ مخلوقون له تعالى ﴿مُّكْرَمُونَ﴾ مقربون عنده مفضلون على كثير من العباد لا على كلهم والمخلوقية تنافي الولادة لأنها تقتضي المناسبة فليسوا بأولاد وإكرامهم لا يقتضي كونهم أولاداً كما زعموا.
﴿لا يَسْبِقُونَه بِالْقَوْلِ﴾ صفة أخرى لعباد وأصل السبق التقدم في السير ثم تجوز به في غيره من التقدم أي : لا يقولون شيئاً حتى يقوله تعالى ويأمرهم به لكمال انقيادهم وطاعتهم كالعبيد المؤدبين.
قال الكاشفي :(يعني بى دستورىء وى سخن نكويند مراد ازين سخن قطع طمع كافرانست از شفاعت ملائكه يعني ايشان بى اذن خداشفاعت نتوانند كرد) ﴿وَهُم بِأَمْرِه يَعْمَلُونَ﴾ أي : كما أنهم يقولون بأمره كذلك يعملون بأمره لا بغير أمره أصلاً فالقصر المستفاد من تقديم الجار معتبر بالنسبة إلى غير أمره لا إلى أمر غيره والأمر مصدر أمرته إذا كلفته أن يفعل شيئاً.
وفي الآية إشارة إلى أن العباد المتكرمين بالتقرب إلى الله تعالى والوصول إليه لا يقولون شيئاً من تلقاء نفوسهم ولا يفعلون شيئاً بإرادتهم بل إذا نطقوا نطقوا بالله وإذا سكتوا سكتوا بالله.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٦٧
يقول الفقير :
ون وزد باد صبا وقت سحر
ميشود دريا زجنبش موجكر
موج وتحريك از صبا باشد همين
نى زدريا اين خروش آينده هين