ـ روي ـ أن علياً رضي الله عنه صعد المنبر يوماً وقال : سلوني عما دون العرش فإن ما بين الجوانح علم جم هذا لعاب رسول الله في فمي هذا ما رزقني رسول الله رزقاً فوالذي نفسي بيده لو أذن للتوراة والإنجيل أن يتكلما فأخبرت بما فيهما لصدّقاني على ذلك وكان في المجلس رجل يماني فقال : ادعى هذا الرجل دعوى عريضة لأفضحنه فقام وقال : اسأل قال : سل تفقهاً ولا تسأل تعنتاً فقال : أنت حملتني على ذلك هل رأيت ربك يا عليّ قال : ما كنت أعبد رباً لم أره فقال : كيف رأيت؟ قال : لم تره العيون بمشاهدة العيان ولكن رأته القلوب بحقيقة الإيمان ربي أحد واحد لا شريك له أحد لا ثاني له فرد لا مثل له لا يحويه مكان ولا يداوله زمان ولا يدرك بالحواس ولا يقاس بالقياس فسقط اليماني مغشياً عليه فلما أفاق قال : عاهدت الله أن لا أسأل تعنتاف، قال الشيخ المغربي قدس سره :
نخست ديده طلب كن س آنكهى ديدار
ازانكه يار كند جلوه بر اولو الابصار
وقال الخجندي قدس سره :
بيدارشو آنكه طلب آن روى كه هركز
در خواب نين دولت بيدار نيابى
أزال الله عنا الغين والغفلة والحجاب وفتح بصائرنا إلى جناب جمال المهيمن الوهاب أنه رب الأرباب ومسبب الأسباب.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٦٧
﴿وَجَعَلْنَا فِى الأرْضِ﴾ الأرض جسم غليظ أغلظ ما يكون من الأجسام واقف على مركز العالم مبين لكيفية الجهات الست فالشرق حيث تطلع الشمس والقمر والغرب حيث تغيب والشمال حيث مدار الجدي والجنوب حيث مدار سهيل والفوق ما يلي المحيط والأسفل ما يلي مركز الأرض ﴿رَوَاسِىَ﴾ جبالاً ثوابت جمع راسي من رسا إذا ثبت ورسخ ﴿أَن تَمِيدَ بِهِمْ﴾ الميد اضطراب الشيء العظيم كاضطراب الأرض يقال ماد يميد ميداً إذا تحرك ومنه سميت المائدة وهي الطعام والخوان عليه الطعام كما قال الراغب : المائدة الطبق الذي عليه الطعام ويقال : لكل واحدة منهما مائدة.
والمعنى كراهة أن تميل الأرض وتضطرب والظاهر أن الباء للتعدية كما يفهم من قول بعضهم بالفارسية (تا بجنباند زمين آدميانرا).
قال ابن عباس رضي الله عنهما إن الأرض بسطت على وجه الماء فكانت تميد بأهلها كما تميد السفينة على الماء فأرس لها الله بالجبال الثوابت كما ترسي السفينة بالمرساة وسئل عليّ رضي الله عنه أي : الخلق أشد؟ قال : أشد الخلق الجبال الرواسي والحديد أشد منها يبحث به الجبل والنار تغلب الحديد والماء يطفي النار والسحاب يحمل الماء والريح يحمل
٤٧٢
السحاب والإنسان يغلب الريح بالثبات والنوم يغلب الإنسان والهم يغلب النوم والموت يغلب كلها.
يقول الفقير :
نباشد درجهان ون مرك يزى
كه غالب شد ترا هرخند عزيزى
وفي "التأويلات النجمية" يشير إلى الأبدال الذين هم أوتاد الأرض وأطوادها فأهل الأرض بهم يرزقون وبهم يمطرون والأبدال قوم بهم يقيم الله الأرض وهم سبعون : أربعون بالشام، وثلاثون بغيرها، لا يموت أحدهم إلا يقام مكانه آخر من سائر الناس وفي الحديث :"لن تخلو الأرض من أربعين رجلاً مثل خليل الرحمن فبهم تسقون وبهم تنصرون ما مات منهم أحد إلا أبدل الله مكانه آخر" ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا﴾ في الأرض أو في الرواسي وعليه اقتصر في "الجلالين" لأنها المحتاجة إلى الطرق ﴿فِجَاجًا سُبُلا﴾ أي : طرقاً مسلوكة لأن السبيل من الطرق ما هو معتاد السلوك والفج الشق بين الجبلين ﴿لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ إرادة أن يهتدوا إلى مصالحهم ومهماتهم التي جعلت لهم في البلاد البعيدة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٧٢
﴿وَجَعَلْنَا السَّمَآءَ سَقْفًا﴾ سميت سقفاً لأنها للأرض كالسقف ﴿مَّحْفُوظًا﴾ من الوقوع مع كونها بغير عمد أو من الفساد والانحلال إلى الوقت المعلوم أو من استراق السمع بالشهب.
وفيه إشارة إلى أن سماء قلب العارف محفوظة من وساوس شيطان الإنس والجن وكان من دعاء النبي عليه السلام :"اللهم اعمر قلبي من وساوس ذكرك واطرد عني وساوس الشيطان" كما في "آكام المرجان"، وفي "المثنوي" :
ذكر حق كن بانك غولانرا بسوز
شم نركسرا ازين كركس بدوز ﴿وَهُمْ عَنْ ءَايَـاتِهَا﴾ أي : أدلتها الواضحة التي خلقها الله تعالى فيها وجعلها علامات نيرة على وجوده ووحدته وكمال صنعه وعظيم قدرته وباهر حكمته مثل الشمس والقمر والنجوم وغيرها ﴿مُّعْرِضُونَ﴾ لا يتدبرون فيها فيقفون على ما هم عليه من الكفر والضلال.
يقال : أخلاق الأبدال عشرة أشياء : سلامة في الصدر، وسخاوة في المال، وصدق اللسان، وتواضع النفس، والصبر في الشدة، والبكاء في الخلوة، والنصيحة في الخلق، والرحمة للمؤمنين والتفكر في الأشياء، والعبرة في الأشياء فانظروا إلى آثار رحمته وتفكروا في عجائب صنعه وبدائع قدرته حتى تستخرجوا الدر من بحار معرفته.