ـ روي ـ أن داود عليه السلام دخل في محرابه فرأى دودة صغيرة فتفكر في خلقها وقال : ما يعبأ الله بخلق هذه فأنطقها الله تعالى فقالت : يا داود أتعجبك نفسك وأنا على ما أنا والله أذكر الله وأشكره أكثر مما آتاك الله فالمقصود برؤية الآيات بالحق ذكر الله تعالى عند كل شيء وهي من أوصاف المؤمنين الكاملين وأما التعامي والإعراض فحال الكفرة الجاهلين، وفي "المثنوي" :
يش خر خر مهره وكوهر يكيست
آن اشك را در درو دريا شكيستمنكر بحرست وكوهر هاى او
كى بود حيوان درو يرايه جو
در سر حيوان خدا ننهاده است
كوبود دربند لعل ودر رست
مر خرانرا هي ديدى كوشوار
كوش هوش خربود در سبزه زار
وفي الآية إشارة إلى آيات سماء قلب العارف وهي التجليات الحقية والكلمات الذوقية فأهل
٤٧٣
السلوك الحقيقي يؤمنون بالعلماء بالله وبأحوالهم ومقاماتهم وكلماتهم وأما غيرهم فينكرون ويعرضون لأنهم يمشون من طريق العقل وينظرون بنظر النقل.
وقد صح أن العقل ليس له قدم إلا في طريق المعقولات وفوقها المكاشفات فالاهتداء إلى الله إنما هو بأهل الله إذ هم المرشدون إلى الفجاج الصحيحة والسبل المستقيمة وعلومهم محفوظة من النسخ والتبديل دنيا وآخره وأما الرسوم فإنما تتمشى إلى الموت.
فعلى العاقل أن يعقل نفسه عن هواها ويتفكر في هداها ويختار للإرشاد من هو أعرف بطريق العقل والنقل والكشف فإنه قال في "المثنوي" :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٧٢
رهروراه طريقت اين بود
كو باحكام شريعت ميرود
ويعرض عمن لا يعرف قدر الشريعة والحكمة فيها فإنه عقيم والمرتبط بالعقيم لا يكون إلا عقيماً نسأل الله تعالى أن يوفقنا للثبات في اتباع طريقة أهل المكاشفات والمشاهدات في جميع الحالات.
﴿وَهُوَ﴾ وحده ﴿وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ﴾ الذي هو ظل الأرض ﴿وَالنَّهَارَ﴾ الذي هو ضوء الشمس ﴿وَالشَّمْسُ﴾ الذي هو كوكب مضيىء نهاري ﴿وَالْقَمَرِ﴾ الذي هو كوكب مضيىء ليلي أي : الله تعالى أوجد هذه الأشياء وأخرجها من العدم إلى الوجود دون غيره فله القدرة الكاملة والحكمة الباهرة ﴿كُلٌّ﴾ أي : كل واحد من الشمس والقمر وهو مبتدأ خبره قوله :﴿فِى فَلَكٍ﴾ على حدة كما يشهده الوجود وقوله :﴿يَسْبَحُونَ﴾ حال أي : يجرون في سطح الفلك كالسبح في الماء فإن السبح المرّ السريع في الماء أو في الهواء واستعير لمر النجوم في الفلك كما في "المفردات" ويفهم منه أن الكواكب مرتكزة في الأفلاك إرتكاز فص الخاتم في الخاتم قال في "شرح التقويم" : كل واحد من الكواكب مركوز في فلك مغرق فيه كالكرة المنغمسة في الماء لا كالسمك فيه والأفلاك متحركة بالإرادة والكواكب بالعرض.
وقال بعضهم أخذاً بظاهر الآية : إن الفلك موج مكفوف من السيلان دون السماء تجري فيه الشمس والقمر كما تسبح السمكة في الماء والفلك جسم شفاف محيط بالعالم.
قال الراغب الفلك مجرى الكواكب وتسميته بذلك لكونه كالفلك.
وقال محيى السنة الفلك في كلام العرب كل شيء مستدير جمعه أفلاك ومنه فلكة المغزل.
قال ابن الشيخ : اختلف الناس في حركات الكواكب والوجوه الممكنة فيها ثلاثة فإنه إما أن يكون الفلك ساكناً والكواكب تتحرك فيه كحركة السابح في الماء الراكد وإما أن يكون الفلك متحركاً والكواكب تتحرك فيه أيضاً مخالفة لجهة حركته أو موافقة لها مساوية لحركته في السرعة والبطيء أولاً وإما أن يكون الفلك متحركاً والكواكب ساكنة.
قال الفلاسفة : الرأي الأول باطل لأنه يوجب خرق الفلك وهو محال وكذا الرأي الثاني فإنه أيضاً باطل لعين ما ذكر فلم يبق إلا الاحتمال الثالث وهو أن تكون الكواكب مغروزة في الفلك واقفة فيه والفلك يتحرك فتتحرك الكواكب تبعاً لحركة الفلك.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٧٢
قال الإمام : واعلم أن مدار هذا الكلام على امتناع الخرق على الأفلاك وهو باطل بل الحق أن الاحتمالات الثلاثة كلها ممكنة والله تعالى قادر على كل الممكنات والذي يدل عليه لفظ القرآن أن تكون الأفلاك واقفة والكواكب تكون جارية فيها كما تسبح السمكة في الماء.
واعلم أنه لو خلق السماء ولم يخلق الشمس والقمر
٤٧٤


الصفحة التالية
Icon