جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٧٥
واعلم أن ما يدل على أن الخضر كان حياً في عهد النبي عليه السلام ما ذكر في صحيح المستدرك من أنه عليه السلام لما توفي عزتهم الملائكة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إن في الله عزاء في كل مصيبة وخلفا من كل فائت فبالله فثقوا وإياه فارجوا فإنما المحروم من حرم الثواب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ودخل رجل أشهب اللحية جسيم صبيح فتخطى رقابهم فبكى ثم التفت إلى الصحابة فقال : إن في الله عزاء في كل مصيبة وعوضاً عن كل فائت وخلفاً من كل هالك فإلى الله فانيبوا وإلى الله فارغبوا ونظره إليكم في البلاء فانظروا فإنما المصاب من لم يجبر وانصرف فقال أبو بكر وعلي رضي الله عنهما : هذا الخضر عليه السلام.
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآاـاِقَةُ الْمَوْتِ﴾ برهان على ما أنكر من خلودهم والمراد النفس الناطقة التي هي الروح الإنساني وموتها عبارة عن مفارقتها جسدها أي : ذائقة مرارة المفارقة والذوق هذا لا يمكن إجراؤه على ظاهره لأن الموت ليس من المطعوم حتى يذاق بل الذوق إدراك خاص فيجوز جعله مجازاً على أصل الإدراك والموت صفة وجودية خلقت ضداً للحياة وباصطلاح أهل الحق قمع هوى النفس فمن مات عن هواه فقد حيى.
قال الراغب أنواع الموت بحسب أنواع الحياة الأول ما هو بإزاء القوة النامية الموجودة في الإنسان والحيوانات والنبات نحو ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْىِ الارْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ (الحديد : ١٧) والثاني زوال القوة الحساسة نحو ﴿وَيَقُولُ الانسَـانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا﴾ (مريم : ٦٦) والثالث زوال القوة العاقلة وهي الجهالة نحو
٤٧٦
﴿فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ (الروم : ٥٢) والرابع الحزن المكدر للحياة نحو ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ﴾ (إبراهيم : ١٧) والخامس المنام فقيل النوم موت خفيف والموت نوم ثقيل وعلى هذا النحو سماه الله تعالى توفياً فقال :﴿وَهُوَ الَّذِى يَتَوَفَّـاـاكُم بِالَّيْلِ﴾ (الأنعام : ٦٠) وقوله :﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآاـاِقَةُ الْمَوْتِ﴾ عبارة عن زوال القوة الحيوانية وإبانة الروح عن الجسد انتهى بإجمال.
وفي التعريفات النفس هي الجوهر البخاري اللطيف الحامل لقوة الحياة والحس والحركة الإرادية وسماه الحكيم الروح الحيواني فهي جوهر مشرق للبدن فعند الموت ينقطع ضوؤه عن ظاهر البدن وباطنه فالنوم والموت من جنس واحد لأن الموت هو الانقطاع الكلي والنوم هو الانقطاع الناقص.
والحاصل أنه إن لم ينقطع ضوء جوهر النفس عن ظاهر البدن وباطنه فهو اليقظة وإن انقطع عن ظاهره دون باطنه فهو النوم أو بالكلية فهو الموت.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٧٥
يقول الفقير : يفهم منه أن الموت انقطاع ضوء الروح الحيواني عن ظاهر البدن وباطنه وهذا الروح غير الروح الإنساني الذي يقال له النفس الناطقة إذ هو جوهر مجرد عن المادة في ذاته مقارن لها في فعلها ويؤيده ما في "إنسان العيون" من أن الروح عند أكثر أهل السنة جسم لطيف مغاير للأجسام ماهية وهيئة متصرف في البدن حال فيه حلول الدهن في الزيتون يعبر عنه بأنا وأنت وإذا فارق البدن مات.
وقول بعض الروحانيين أيضاً : إن الله تعالى جمع في طينة الإنسان الروح الملكي النوراني العلوي الباقي ليصير مسبحاً ومقدساً كالملك باقياً بعد المفارقة والروح الحيواني الظلالي السفلي الفاني ليقبل الفناء الذي يعبر عنه بالموت.
وقول بعضهم أيضاً ذكر النفوس لا القلوب والأرواح لأنها تتجلى حياة الحق لها فإذا انسلخت الأرواح من الأشباح انهدمت جنابذ الهياكل ورجعت الأرواح إلى معادن الغيب ومشاهدة الرب.
قال حضرة شيخي وسندي روح الله روحه في بعض تحريراته : اعلم أن الروح من حيث جوهريته وتجرده وكونه من عالم الأرواح المجردة مغاير للبدن متعلق به تعلق التدبير والتصرف قائم بذاته غير محتاج إليه في بقائه ودوامه ومن حيث أن البدن صورته ومظهر كمالاته وقواه في عالم الشهادة محتاج إليه غير منفك عنه بل سارى فيه لا كسريان الحلول المشهور عند أهل النظر بل كسريان الوجود المطلق الحق في جميع الموجودات فليس بينهما مغايرة من كل الوجوه بهذا الاعتبار ومن علم كيفية ظهور الحق في الأشياء وأن الأشياء من أي : وجه عينه ومن أي : وجه غيره يعلم كيفية ظهور الروح في البدن وأنه من أي : وجه عينه ومن أي : وجه غيره لأن الروح رب بدنه ويتحقق له ما ذكرنا وهو الهادي إلى العلم والفهم.
انتهى كلام الشيخ قدس سره وهو العمدة في الباب فظهر أن إطلاق النفس على الروح الإنساني إنما هو لتعينه بتعين الروح الحيواني فهو المفارق في الحقيقة فافهم جداً.