واعلم أن المجازاة لا تسعها دار التكليف فلا بد من دار أخرى لا يصار إليها إلا بالموت والنشور فلا بد لكل نفس من أن تموت ثم تبعث.
قال بعضهم فائدة حالة المفارقة رفع الخبائث التي حصلت للروح بصحبة الأجسام وفائدة حالة الإعادة حصول التنعمات الأخروية التي أعدت لعباد الله الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
وفي "التأويلات النجمية" يشير بقوله :﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ﴾ إلى أنا نبلوكم بالمكروهات التي تسمونها شراً وهي الخوف والجوع والنقص من الأموال والأنفس والثمرات وإن فيها موت النفس وحياة القلب ونبلوكم بالمحبوبات التي تسمونها الخير وهي الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والقضة والخيل المسومة والأنعام والحرث وفيها حياة النفس وموت القلب وكلتا الحالتين ابتلاء فمن صبر على موت النفس عن صفاتها بالمكروهات وعن الشهوات فله البشارة بحياة القلب واطمئنان النفس وله استحقاق الرجوع إلى ربه بجذبة ارجعي إلى ربك باللطف كما قال :﴿وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ فيصير ما يحسبه شراً خيراً كما قال له تعالى :﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ (البقرة : ٢١٦) ومن لم يصبر على المكروهات وعن الشهوات المحبوبات ولم يشكر عليها بأداء حقوق الله فيها فله العذاب الشديد من كفران النعمة ويصير ما يحسبه خيراً شراً له كما قال تعالى :﴿وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ﴾ (البقرة : ٢١٦) فيرجع إلى الله بالقهر في السلاسل والأغلال انتهى فعلى العاقل الصبر على الفقر ونحوه مما يعد مكروهاً عند النفس، قال الحافظ :
درين بازار كرسوديست بادرويش خر سندست
الهى منعمم كردان بدرويشى وخر سندى
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٧٥
﴿وَإِذَا رَءَاكَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي : المشركون نزلت حين مر النبي عليه السلام بأبي جهل فضحك وقال لمن معه من صناديد العرب هذا نبي عبد مناف كالمستهزىء به ﴿إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا﴾ الهزؤ : مزح في خفية أي : لا يفعلون بك إلا اتخاذك مهزواً به، يعني :(كسى كه با او استهزاء كنند مراد آنست كه ايشان ترا با استهزاء يغمبر خوانند) على معنى قصر معاملتهم معه على اتخاذهم إياه هزؤاً لا على معنى قصر اتخاذهم على كونه هزؤاً كما هو المتبادر ﴿أَهَـاذَا الَّذِى﴾ على إرادة القول، يعني :(بايكديكر كفتند اين كس است كه يوسته)
٤٧٩
﴿يَذْكُرُ ءَالِهَتَكُمْ﴾ أصنامكم بسوء أي : يبطل كونها معبودة ويقبح عبادتها يقال فلان يذكر الناس أي : يغتابهم ويذكرهم بالعيوب كما قال في "بحر العلوم" وإنما أطلق الذكر لدلالة الحال فإن ذكر العدو لا يكون إلا بذم وسوء ﴿وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَـانِ هُمْ كَـافِرُونَ﴾ حال والضمير الأول خبره كافرون والثاني تأكيد لفظي له وبذكر متعلق بالخبر وهو من إضافة المصدر إلى مفعوله أي : يعيبون أن يذكر عليه السلام آلهتهم التي لا تضر ولا تنفع بالسوء والحال أنهم كافرون بأن يذكروا الرحمن المنعم عليهم بما يجب أن يذكر به من الوحدانية فهم أحقاء بالعيب والإنكار.
وفي الآية إشارة إلى أن كل من كان محجوباً عن الله بالكفر لا ينظر إلى خواص الحق إلا بعين الإنكار والاستهزاء لأن خواص الحق من الأنبياء والأولياء يقبحون في أعينهم إذ ما اتخذوا لهم آلهة من شهوات الدنيا من جاهها ومالها وغير ذلك مما اتخذوه آلهة كما قال تعالى :﴿أَفَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـاهَه هَوَاـاهُ﴾ (الجاثية : ٢٣) وكل محب يغار على محبوبه ولذا يذكرونهم بعيب ونقصان والحال أن العيب والنقصان فيهم لا في أضدادهم، وفي "المثنوي" :
آن دهان ككرد واز تسخر بخواند
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٧٩
مر محمدرا دهانش ك بماند
باز آمد كاى محمد عفو كن
اى ترا الطاف علم من لدن
من ترا افسوس ميكردم ز جهل
من بدم افسوس را منسوب واهل
ون خدا خواهدكه رده كس درد
ميلش اندر طعنه اكان برد
ورخدا خواهدكه وشد عيب كس
كم زند درعيب معيوبان نفس