فعلى العاقل أن يصون لسانه عن ذكر العيوب ويشتغل في جميع الأوقات بذكر علام الغيوب فإنه الذي أفاض سجال الرحمة والشكر لازم لولي النعمة وفي الحديث :"من ذكر الله مطيعاً ذكره الله بالرحمة ومن ذكر الله عاصياً ذكره الله باللعنة وأفضل الذكر لا إله إلا الله" لأنه إعراض عما سوى الله وإقبال بالكلية على الله.
يقال النصف الأول إشارة إلى قوله :﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ﴾ (الذاريات : ٥٠) والثاني : إلى قوله ﴿قُلِ اللَّه ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾ (الأنعام : ٩١).
ويقال أن سائر العبادات والأذكار تصل إلى الله تعالى بواسطة الملك أما هذه الكلمة فتصل إلى الله بلا واسطة الملك من قالها مرة خالصاً غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر وإنه تعالى أمر جميع الأنبياء أن يدعو أممهم إلى هذا الذكر فما نزلت كلمة أجل من لا إله إلا الله بها قامت السموات والأرضون وهي كلمة الإسلام وكلمة النجاة وكلمة النور إذ بها يستنير الباطن بأنوار الخلوص والصدق والصفاء واليقين.
﴿خَلَقَ الانسَـانَ﴾ أي : جنسه ﴿مِنْ عَجَلٍ﴾ العجلة طلب الشيء وتحريه قبل أوانه وهو من مقتضى الشهوة فلذلك صارت مذمومة حتى قيل العجلة من الشيطان جعل الإنسان لفرط استعجاله وقلة صبره كأنه مخلوق منه كما يقال خلق زيد من الكرم تنزيلاً لما طبع عليه من الأخلاق منزلة ما طبع منه من الأركان إيذاناً بغاية لزومه وعدم انفكاكه عنه ومن عجلته مبادرته إلى الكفر واستعجاله بالوعيد قال النضر بن الحارث :﴿قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـاذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (الأنفال : ٣٢) وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد بالإنسان آدم وإنه حين بلغ الروح صدره أراد أن يقوم أي : استعجل في القيام قبل أن يبلغ الروح أسفله أيها المستعجلون ﴿ءَايَـاتِىَ﴾ (نشانهاى قدرت خود دردنيا بواسطه واقعه بدر ودر آخرت عذاب دوزخ) ﴿فَلا تَسْتَعْجِلُونِ﴾ بالإتيان بها، وبالفارسية :(س شتاب
٤٨٠
مكنيد مر بخواستن آن) والنهي عما جبلت عليه نفوسهم ليقمعوها عن مرادها فإن لهم الإرادة والاختيار فطبعهم على العجل لا ينافي النهي كما قال تعالى :﴿وَأُحْضِرَتِ الانفُسُ الشُّحَّ﴾ (النساء : ١٢٨) فخلق في الإنسان الشح وأمر بالانفاق وخلق فيه الضعف وأمر بالجهاد وخلق فيه الشهوة وأمر بمخالفتها فهذا ليس من قبيل تكاليف ما لا يطاق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٧٩
وفي "التأويلات النجمية" فيه إشارة إلى معان :
منها : أنتم تستعجلون في طلب العذاب من جهلكم وضلالكم وذلك لأنكم تؤذون حبيبي ونبي بطريق الاستهزاء والعداوة ومن عادى لي ولياً فقد بارزني في الحرب فقد استعجل في طلب العذاب لأني أغضب لأوليائي كما يغضب الليث ذو الجرو لجروه فكيف بمن يعادي حبيبي ونبي عليه السلام ويدل على صحة هذا التأويل قوله :﴿سَأُوْرِيكُمْ ءَايَـاتِى﴾ أي : عذابي ﴿فَلا تَسْتَعْجِلُونِ﴾ في طلبه بطريق إيذاء نبيي والاستهزاء به.
ومنها : أن الروح الإنساني خلق من عجل لأنه أول شيء تعلقت به القدرة.
ومنها : أن الله تعالى خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وخمر طينة آدم بيده أربعين صباحاً وقد روي أن كل يوم من أيام التخمير كان مقداره ألف سنة مما تعدون فتكون أربعين ألف سنة فالمعنى أن الإنسان مع هذا خلق من عجل بالنسبة إلى خلق السموات والأرض في ستة أيام لما خلق فيه عند تخمير طينته من أنموذجات ما في السموات والأرض وما بينهما واستعداده لقبول سر الخلافة المختصة به وقابليته تجلى ذواته وصفاته وللمرآتية التي تكون مظهرة للكنز الخفي الذي خلق الخلق لإظهاره ومعرفته لاستعداد حمل الأمانة التي عرضت على السموات والأرض والجبال وأهاليها فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان وتمام الآية يدل على هذا المعنى وهو قوله :﴿سَأُوْرِيكُمْ ءَايَـاتِى فَلا تَسْتَعْجِلُونِ﴾ أي : سأريكم صفات كمالي في مظاهر الآفاق ومرآة أنفسكم بالتربية في كل قرن بواسطة نبي أو ولي فلا تستعجلون في طلب هذا المقام من أنفسكم فإنه قيل حد طلبه من المهد إلى اللحد بل أقول من الأزل إلى الأبد وهذا منطق الطير لا يعلمه إلا سليمان الوقت قال تعالى :﴿سَنُرِيهِمْ ءَايَـاتِنَا فِى الافَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ (فصلت : ٥٣) انتهى، قيل :
لا تعجلن لأمر أنت طالبه
فقلما يدرك المطلوب ذو العجل
فذو التأني مصيب في مقاصده
وذو التعجل لا يخلو عن الزلل
قال أعرابي : إياكم والعجلة فإن العرب تكنيها أم الندامات قال آدم عليه السلام لأولاده :"كل عمل تريدون أن تعملوه فقفوا له ساعة فإني لو وقفت ساعة لم يكن أصابني ما أصابني" فلا بد من التأني في الأمور الدنيوية والمقاصد المعنوية :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٧٩
و صبح وصل او خواهد دميدن عاقبت جامى


الصفحة التالية
Icon