مخور غم كر شب هجران بايان دير مى آيد
﴿وَيَقُولُونَ﴾ بطريق الاستعجال والاستهزاء ﴿مَتَى هَـاذَا الْوَعْدُ﴾ أي : وعد العذاب والساعة فليأتنا بسرعة ﴿إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ﴾ في وعدكم بأنه يأتينا والخطاب للنبي عليه السلام والمؤمنين الذين يتلون الآيات المنبئة عن مجيىء الوعد فقال تعالى :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٧٩
﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَن ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ﴾ جواب لو محذوف وإيثار صيغة المضارع في الشرط وإن كان المعنى لإفادة استمرار عدم العلم وحين مفعول به ليعلم والكف الدفع يقال كففته أصبته بالكف ودفعته بها وتعورف الكف بالدفع على أي : وجه كان بالكف أو غيرها
٤٨١
والمعنى لو علموا الوقت الذي يستعجلونه بقولهم متى هذا الوعد وهو حين تحيط بهم النار من كل جانب بحيث لا يقدرون على دفعها ولا يجدون ناصراً يمنعها لما استعجلوا وتخصيص الوجوه والظهور يعني القدام والخلف لكونهما أشرف الجوانب واستلزام الإحاطة بهما للإحاطة بالكل.
﴿بَلْ تَأْتِيهِم﴾ العدة ﴿بَغْتَةً﴾ البغتة مفاجأة الشيء من حيث لا يحتسب أي : فجأة، وبالفارسية :(ناكهان) وهو مصدر لأن البغتة نوع من الإتيان أو حال أي : باغتة ﴿فَتَبْهَتُهُمْ﴾ (س مبهوت ومتحير كرداند ايشان) والبهت الحيرة.
قال الإمام وإنما لم يعلم الله وقت الموت والساعة لأن المرء مع الكتمان أشد حذراً وأقرب إلى التدارك.
قال بعض الكبار من بهته شيء من الكون فهو لمحله عنده وغفلته عن مكنونه ومن كان في قبضة الحق وحضرته لا يبهته شيء لأنه قد حصل في محل الهيبة من منازل القدس ﴿فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا﴾ أي : العدة فإن المراد بها العذاب أو النار أو الساعة ﴿وَلا هُمْ يُنظَرُونَ﴾ من الإنظار بمعنى الإمهال والتأخير أي : لا يمهلون ليستريحوا طرفة عين أو يتولوا أو يعتذروا أو من النظر أي : لا ينظر إليهم.
ولا إلى تضرعهم وفيه إشارة إلى أنه لو علم أهل الإنكار قبل أن يكافئهم الله على إنكارهم نار القطيعة والحسرة والبعد والطرد لما أقاموا على إنكارهم ولتابوا ورجعوا إلى طلب الحق وعلم منه أن أعظم المقاصد هو طلب الحق والوصول إليه فكما أن من أدب الظاهر أن يحفظ المرء بصره عن الالتفات إلى يمينه وشماله فكذا من أدب الباطن أن يصون بصيرته عن النظر إلى ما سوى الله تعالى ولا يحصل غالباً إلا بالسلوك والاسترشاد من أهل الله تعالى فلا بد من إفناء الوجود فإنه طريق المقصود.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٨١
ـ حكي ـ أن ليلى لما كسرت إناء قيس المجنون رقص ثلاثة أيام من الشوق فقيل : أيها المجنون كنت تظن أن ليلى تحبك وهي تعطي ما أعطته لغيرك فضلاً عن المحبة فقال : إنما المجنون من لم يتفطن لهذا السر أشار إلى أن كسر الوعاء عبارة عن الإفناء.
واعلم أن من المتفق عليه شرعاً وعقلاً وكشفاً أن كل كمال لم يحصل للإنسان في هذه النشأة وهذه الدار فإنه لا يحصل له بعد الموت في الدار الآخرة كما في "الفكوك" لحضرة الشيخ صدر الدين القنوي قدس سره فعلم منه أن زمان الفرصة غنيمة وأن وقت الموت إذا جاء بغتة لا يقدر المرء أن يستأخر ويتدارك حاله، قال الشيخ سعدي قدس سره :
خبر دارى اى استخوانى قفس
كه جان تو مرغيست نامش نفس
و مرغ از قفس رفت بكسست قيد
دكرره نكردد بسعى توصيد
نكه دار فرصت كه عالم دميست
دمى يش دانا به از عالميست
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٨١
﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِىاَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ﴾ تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم عن استهزائهم به أي : بالله لقد استهزىء برسل أولي شأن خطير وذوي عدد كثير كائنين من زمان قبل زمانك كما استهزأ بك قومك فصبراً ففيه حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ﴿فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِه يَسْتَهْزِءُونَ﴾ يقال حاق به يحيق حيقاً أحاط به وحاق بهم الأمر لزمهم ووجب عليهم وحاق نزل ولا يكاد يستعمل إلا في الشر والحيق ما يشمل الإنسان من مكروه فعل وبالذين متعلق بحاق وضمير منهم للرسل والموصول فاعل حاق.
والمعنى فأحاط بهم عقيب
٤٨٢
ذلك العذاب الذي كانوا به يستعجلون ووضع يستهزئون موضع يستعجلون لأن استعجالهم كان على جهة الاستهزاء وهو وعد له بأن ما يفعلون به يحيق بهم كما حاق بالمستهزئين بالأنبياء ما فعلوا يعني جزاءه.