جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٨٣
واعلم أن الإنذار أبلغ فإنه من باب التخلية فلا بد للعاصي من التخوف على المعاصي والإصغاء إلى الموعظة والنصيحة الموقظة فإنه سوف يقول المعرضون ﴿لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَـابِ السَّعِيرِ﴾ (الملك : ١٠) وهم الصم في الحقيقة، قال الشيخ سعدي :
بكوى آنه دانى سخن سودمند
وكرهي كس را نيايد سند
كه فردا شيمان برآرد خروش
كه آوخ را حق نكردم بكوش
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٨٣
﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ﴾ الموازين جمع ميزان، بالفارسية :(ترازو) والقسط العدل أي : نقيم الموازين العادلة التي نوزن بها صحائف الأعمال ونحضرها أو الأعمال باعتبار التجوهر
٤٨٥
والتجسم وجمع الموازين باعتبار تعدد الأعمال أو لأن لكل شخص ميزاناً.
قال الراغب الوزن معرفة قدر الشيء وذكر الميزان في مواضع بلفظ الواحد اعتباراً بالمحاسبة وفي مواضع بلفظ الجمع اعتباراً بالمحاسبين انتهى.
وإفراد القسط لأنه مصدر وصف به مبالغة كرجل عدل.
قال الإمام وصف الموازين بالقسط لأنها قد لا تكون مستقيمة ﴿لِيَوْمِ الْقِيَـامَةِ﴾ أي : لأجل جزائه ﴿فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ﴾ من النفوس ﴿شَيْـاًا﴾ حقاً من حقوقها على أن يكون مفعولاً ثانياً لتظلم لأنه بمعنى تنقص وتنقص يتعدى إلى مفعولين يقال نقصه حقه من الظلم بل يوفى كل ذي حق حقه إن خيراً فخير وإن شراً فشر على أن يكون مفعولاً مطلقاً ﴿وَإِن كَانَ﴾ أي : العمل المدلول عليه بوضع الموازين ﴿مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ﴾ المثقال ما يوزن به من الثقل أي : مقدار حبة كائنة من خردل، بالفارسية :(ازسندان كه اصغر حباتست) أي : وإن كان في غاية القلة والحقارة فإن حبة الخردل مثل في الصغر ﴿أَتَيْنَا بِهَا﴾ بقصر الهمزة من الإتيان والباء للتعدية أي : أحضرنا ذلك العمل المعبر عنه بمثقال حبة الخردل للوزن والتأنيث لإضافته إلى الحبة ﴿وَكَفَى بِنَا حَـاسِبِينَ﴾ إذ لا مزيد على علمنا وعدلنا الباء زائدة ونا فاعل كفى وحاسبين حال منه بمعنى عادّين من حسب المال إذا عده.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : عالمين حافظين لأن من حسب شيئاً علمه وحفظه وفيه تحذير فإن المحاسب العالم القدر الذي لا يفوته شيء يجب أن يخاف منه وروىء الشبلي قدس سره في المنام فقيل ما فعل الله بك فقال :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٨٥
حاسبونا فدققوا
ثم منوا فأعتقوا
قال الإمام الغزالي رحمه الله : الميزان حق ووجهه أن الله تعالى يحدث في صحائف الأعمال وزناً بحسب درجات الأعمال عند الله فتصير مقادير أعمال العباد معلومة للعباد حتى يظهر لهم العدل في العقاب أو الفضل في العفو وتضعيف الثواب.
يقول الفقير بهذا يندفع سؤال الإمام في تفسيره حيث قال أهل القيامة إن علموا كونه تعالى عادلاً فلا حاجة إلى وضع الميزان بل يكفي مجرد حكمه بترجيح جانب وإن لم يعلموا لم يفد وزن الصحائف لاحتمال أنه جعل إحدى الكفتين أثقل ظلماً انتهى وذلك لأنهم علموا ذلك ضرورياً لأن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا لكن الله تعالى أراد أن يحصل لهم العلم بمقادر أعمالهم ليظهر العدل والفضل ظهوراً لا غاية وراءه وفيه إلزام الحجة لهم.
قيل للميزان لسان وكفتان وهو بيد جبريل يوزن فيه الحسنات والسيآت في أحسن صورة وأقبحها والحكم للغالب في الوزن وفي التساوي لفضل الله.
يقول الفقير : لعل وجه كونه بيد جبريل أنه الواسطة في تنزيل الأمر والنهي فناسب أن يكون الميزان بيده ليزن صحائف الأوامر والنواهي.
ـ روي ـ أن داود عليه السلام سأل ربه أن يريه الميزان فأراه كل كفة كما بين المشرق والمغرب فغشي عليه ثم أفاق فقال : إلهي من ذا الذي يقدر أن يملأ كفته حسنات؟ فقال : يا داود إني إذا رضيت عن عبدي ملأتها بتمرة وفي الحديث "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" إنما صارتا أحب لأن فيهما المدح
٤٨٦


الصفحة التالية
Icon