بالصفات السلبية التي يدل عليها التنزيه وبالصفات الثبوتية التي يدل عليها الحمد وفي الحديث "التسبيح نصف الميزان والحمديملؤه".
قال المولى الفناري : توضع الموازين لوزن الأعمال فيجعل فيها الكتب بما عملوا وآخر ما يوضع في الميزان قول الإنسان الحمدولهذا قال عليه السلام :"الحمدتملأ الميزان" فإنه يلقى في الميزان جميع أعمال العباد من الخير إلا كلمة لا إله إلا الله فيبقى على ملئه تحميدة فتجعل فيه فيمتلىء بها فإن كفة ميزان كل أحد بقدر عمله من غير زيادة ولا نقصان وكل ذكر وعمل يدخل الميزان إلا لا إله إلا الله كما قلنا وسبب ذلك أن كل عمل خير له مقابل من ضده فيجعل هذا الخير في موازنته ولا يقابل لا إله إلا الله إلا الشرك ولا يجتمع توحيد وشرك في ميزان أحد لأنه إن قال لا إله إلا الله معتقداً لها فما أشرك وإن أشرك فما اعتقد فلم يكن لها ما يعادلها في الكفة الأخرى ولا يرجحها شيء فلهذا لا تدخل في الميزان وأما المشركون فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً أي : لا يقدر لهم ولا يوزن لهم عمل ولا من هو من أمثالهم من المعطل والمتكبر على الله فإن أعمال خير المشرك محبوطة فلا يكون لشرهم ما يوازيه فلا وزن لهم وأما صاحب السجلات فإنه شخص لم يعمل خيراً قط إلا أنه تلفظ يوماً بكلمة لا إله إلا الله مخلصاً فيوضع له في مقابلة التسعة والتسعين سجلاً من أعمال الشر كل سجل منها كما بين المشرق والمغرب وذلك لأنه ماله عمل خير غيرها فترجح كفتها بالجميع وتطيش السجلات.
والتحقيق أن لا إله إلا الله كلمة التوحيد والتوحيد لا يماثله ولا يعادله شيء وإلا لما كان واحداً بل كان اثنين فصاعداً فإذا أريد بهذه الكلمة التوحيد الحقيقي لم تدخل في الميزان لأنه ليس له معادل ومماثل فكيف يدخل فيه وإليه أشار الخبر الصحيح عن الله تعالى قال الله تعالى :"لو أن السموات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع وعامرهن غيري في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله" فعلم من هذه الأشارة أن المانع من دخولها في ميزان الحقيقة هو عدم المماثل والمعادل كما قال تعالى :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٨٥
﴿لَيْسَ كَمِثْلِه شَىْءٌ﴾ (الشورى : ١١) وإذا أريد بها التوحيد الرسمي تدخل في الميزان لأنه يوجد لها ضد بل أضداد كما أشير إليه بحديث صاحب السجلات فما مالت الكفة إلا بالبطاقة التي كتبها الملك فيها فهي الكلمة المكتوبة المنطوقة المخلوقة فعلم من هذه الإشارة أن السبب لدخولها في ميزان الشريعة هو وجود الضد والمخالف وهو السيآت المكتوبة في السجلات وإنما وضعها في الميزان ليرى أهل الموقف في صاحب السجلات فضلها لكن إنما يكون ذلك بعد دخول من شاء الله من الموحدين النار ولم يبق في الموقف إلا من يدخل الجنة لأنها لا توضع في الميزان لمن قضى الله أن يدخل النار ثم يخرج بالشفاعة أو بالعناية الإلهية فإنها لو وضعت لهم أيضاً لما دخلوا النار أيضاً ولزم الخلاف للقضاء وهو محال ووضعها فيه لصاحب السجلات اختصاص إلهي يختص برحمته من يشاء هكذا حقق شيخي وسندي قدس سره هذا المقام ولا يدخل الموازين إلا أعمال الجوارح شرها وخيرها وهي السمع والبصر واليد والبطن والفرج والرجل وأما الأعمال الباطنة فلا تدخل الميزان المحسوس لكن يقام فيها العدل وهو الميزان الحكيمي فمحسوس لمحسوس ومعنى لمعنى يقابل كل شيء بمثله فلهذا توزن الأعمال من حيث هي مكتوبة وقد أصاب من قال الذكر الخفي هو الذي لم يطلع عليه الحفظة وهو توحيد الحقيقي
٤٨٧
الباطني الذي لا يدخل في الميزان الصوري لأنه ما كان مكتوباً فكيف يدخل فيه.
فإن قيل أين الميزان؟ قلنا : على الصراط ومترتب على الحساب ولهذا لا ميزان لمن يدخل الجنة بغير حساب وإنما الميزان للمخلصين من المؤمنين.
قال بعض الكبار : ميزان العدل في الدنيا ثلاثة : ميزان النفس والروح، وميزان القلب والعقل، وميزان المعرفة والسر.
فميزان النفس والروح الأمر والنهي وكفتاه الوعد والوعيد، وميزان القلب والعقل الإيمان والتوحيد وكفتاه الثواب والعقاب، وميزان المعرفة والسر الرضى والسخط وكفتاه الهرب والطلب.
وقال بعضهم : من يزن ههنا نفسه بميزان الرياضة والمجاهدات ويزن قلبه بميزان المراقبات ويزن عقله بميزان الاعتبارات ويزن روحه بميزان المقامات ويزن سره بميزان المحاضرات ومطالعة الغيبيات ويزن صورته بميزان المعاملات الذي كفتاه الحقيقة والطريقة ولسانه الشريعة وعموده العدل والإنصاف توزن نفسه يوم القيامة بميزان الشرف ويوزن قلبه بميزان اللطف ويوزن عقله بميزان النور ويوزن روحه بميزان السرور ويوزن سره بميزان الوصول ويوزن صورته بميزان القبول فإذا ثقلت موازينه مما ذكرنا فجزاء نفسه الأمن من الفراق فجزاء قلبه مشاهدة الشرف في الأسرار وجزاء عقله مطالعة الصفات وجزاء روحه شف أنوار الذات وجزاء سره إدراك الأسرار القدسيات وجزاء صورته الجلوس في مجالس وصال الأبديات وأيضاً توزن الأعمال بميزان الإخلاص.


الصفحة التالية
Icon