قال في "التأويلات النجمية" حكمة حقيقة، وفي "بحر العلوم" هو ما يجب فعله، وفي "الجلالين" فصلاً بين الخصوم بالحق.
يقول الفقير : الحكم وإن كان أعم من الحكمة لكنه في حق الأنبياء بمعناها غالباً كما يدل عليه قوله تعالى في حق يحيى عليه السلام :﴿وَءَاتَيْنَـاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ (مريم : ١٢) وهو الفهم عن الله تعالى وقوله تعالى في حق داود عليه السلام :﴿وَءَاتَـاـاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَه مِمَّا يَشَآءُ﴾ (البقرة : ٢٥١) فرق بين الملك والحكمة والعلم فيكون معنى قوله :﴿وَعِلْمًا﴾ أي : علماً نافعاً يتعلق بأمور الدين وقواعد الشرع والملة ﴿وَنَجَّيْنَـاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ﴾ قرية سدوم أعظم القرى المؤتفكة أي : المنقلبة المجعول عاليها سافلها وهي سبع كما سبق ﴿الَّتِى كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَـائِثَ﴾ جمع خبيثة والخبيثة ما يكره رداءة وخساسة يتناول الباطل في الاعتقاد والكذب في المقال والقبيح في الفعال وأعوذ بك من الخبث والخبائث أي : من ذكور الشياطين وإناثها والمراد ههنا اللواطة وصفت القرية بصفة أهلها وأسندت إليها على حذف المضاف وإقامتها مقامه كما يوزن به قوله :﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ﴾ (كروهى بد).
قال الراغب : السوء كل ما يغم الإنسان من الأمور الدنيوية والأخروية ومن الأحوال النفسية والبدنية والخارجية من فوات مال وفقد حميم ويعبر به عن كل ما يقبح وهو مقابل الحسن ﴿فَـاسِقِينَ﴾ أي : منهمكين في الكفر والمعاصي متوغلين في ذلك، وبالفارسية (بيرون رفتكان ازدائره فرمان).
وفي الآية إشارة إلى أن النجاة من الجليس السوء من المواهب والاقتران معه من الخذلان.
٥٠٢
زينهار ازقرين بد زنهار
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٠١
وقنا ربنا عذاب النار
وفي "المثنوي" :
هر حويجى باشدش كردى دكر
درميان باغ ازسير وكبر
هريكى باجنس خود دركرد خود
از براى ختكى نم ميخورد
توكه كرد زعفرانى زعفران
باش آميزش مكن باضميران
آب ميخور زعفرانا تارسى
زعفرانى اندران حلوا رسى
تومكن دركرد شلغم وز خويش
تانكردد باتواو همطبع وكيش
توبكردى او بكردى مودعه
زانكه ارض الله آمد واسعه
﴿وَأَدْخَلْنَـاهُ فِى رَحْمَتِنَآ﴾ في أهل رحمتنا الخاصة ﴿إِنَّه مِنَ الصَّـالِحِينَ﴾ الذين سبقت لهم منا الحسنى.
قال في "التأويلات النجمية" يشير إلى أن الرحمة على نوعين : خاص وعام، فالعام منها يصل إلى كل بر وفاجر كقوله تعالى :﴿وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ﴾ (الأعراف : ١٥٦) والخاص لا يكون إلا للخواص وهو الدخول في الرحمة وذلك متعلق بالمشيئة وحسن الاستعداد ولهذا قال :﴿إِنَّه مِنَ الصَّـالِحِينَ﴾ المستعدين لقبول فيض رحمتنا والدخول فيها وهو إشارة إلى مقام الوصول فافهم جداً كقوله تعالى :﴿يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِى رَحْمَتِهِ﴾ (الشورى : ٨).
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٠١
﴿وَنُوحًا إِذْ نَادَى﴾ ظرف للمضاف المقدر أي : اذكر نبأه الواقع حين دعائه على قومه بالهلاك ﴿مِن قَبْلُ﴾ أي : من قبل هؤلاء المذكورين ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾ أي : دعاءه الذي هو قوله :﴿أَنِّى مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ﴾ (القمر : ١٠).
قال في "بحر العلوم" : الاستجابة الإجابة لكن الاستجابة تتعدى إلى الدعاء بنفسها وإلى الداعي باللام ويحذف الدعاء إذا عدى إلى الداعي في الغالب فيقال : استجاب الله دعاءه أو استجاب له ولا يكاد يقال استجاب له دعاءه وهو الدليل على أن النداء المذكور بمعنى الدعاء لأن الاستجابة تقتضي دعاء ﴿فَنَجَّيْنَـاهُ وَأَهْلَه مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ من الغم العظيم الذي كانوا فيه من أذية قومه.
قال الراغب الكرب الغم الشديد من كرب الأرض قلبها بالحفر فالغم يثير النفس إثارة ذلك.
﴿وَنَصَرْنَـاهُ﴾ نصراً مستتبعاً للانتقام والانتصار ولذلك عدى بمن حيث قيل :﴿مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بآياتنا﴾ أولاً وآخراً ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ﴾ (كروهى بديعنى كافر بودند ه كفر سر جمله همه بديهاست) ﴿فَأَغْرَقْنَـاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ فإنه لم يجتمع الإصرار على التكذيب والانهماك في الشر والفساد في قوم إلا أهلكهم الله تعالى.
اعلم أن الدعاء إذا كان بإذن الله تعالى وخلوص القلب كما للأنبياء وكمل الأولياء يكون مقروناً بالإجابة.
ـ روي ـ أن زيد بن ثابت رضي الله عنه خرج مع رجل من مكة إلى الطائف ولم يعلم أنه منافق فدخلا خربة وناما فأوثق المنافق يد زيد وأراد قتله فقال زيد : يا رحمن أعني فسمع المنافق قائلاً يقول : ويحك لا تقتله فخرج المنافق ولم ير أحداً ثم وثم ففي الثالثة قتله فارس ثم حل وثاقه وقال : أنا جبريل كنت في السماء السابعة حين دعوت الله فقال الله تعالى : أدرك عبدي.
ففي الحكاية أمور : منها لا بد لأهل الطريق من الرفيق لكن يلزم تفتيش حاله ليكون على أمان من المخلوق وقد كثر العدو في صورة الصديق في هذا الزمان، وفي "المثنوي" :
٥٠٣


الصفحة التالية
Icon