﴿فَهَلْ أَنتُمْ شَـاكِرُونَ﴾ ذلك يعني قد ثبت عليكم النعم الموجبة للشكر حيث سهل عليكم المخرج من الشدائد فاشكروا له.
قال الكاشفي يعني :(شكر كوييد خدايرا برنين لباس) فهو أمر وارد على صورة الاستفهام والخطاب لهذه الأمة من أهل مكة ومن بعدهم إلى يوم القيامة أخبر الله تعالى أن أول من عمل الدرع داود ثم تعلم الناس فعمت النعمة بها كل محارب من الخلق إلى آخر الدهر فلزمهم شكر الله على هذه النعمة.
وقال بعضهم : الخطاب لداود وأهل بيته بتقدير القول أي : فقلنا لهم بعدما أنعمنا عليهم بهذه النعم بل أنتم شاكرون وما أعطى لكم من النعم التي ذكرت من تسخير الجبال له والطير وإلانة الحديد وعلم صنعة اللبوس.
قيل : إن داود خرج يوماً متفكراً طالباً من يسأله عن سيرته في مملكته فاستقبل جبريل على صورة آدمي ولم يعرفه داود فقال له : كيف ترى سيرة داود في مملكته فقال له جبريل : نعم الرجل هو لولا أن فيه خصلة واحدة قال : وما هي قال : بلغني أنه يأكل من بيت المال وليس شيء أفضل من أن يأكل الرجل من كدّ يده فرجع داود وسأل الله أن يجعل رزقه من كدّ يده فألان له الحديد وكان يتخذ الدرع من الحديد ويبيعها ويأكل من ذلك.
يقول الفقير : قد ثبت في الفقه أن في بيت المال حق العلماء وحق السادات ونحوهم فالأكل منه ليس بحرام عند أهل الشريعة والحقيقة لكن الترك أفضل لأهل التقوى كما دل عليه قصة داود وقس عليه الأوقاف ونحوها من الجهات المعينة وذلك لأنه
٥٠٨
لا يخلو عن شبهة في هذا الزمان مع أن الاستناد إلى الرزق المعلوم ينافي التوكل التام ولذا لم يأكل كثير من أهل الحق ربح المال الموقوف بل أكلوا مما فتح الله عليهم من الصدقات الطيبة من غير حركة ذهنية منهم فضلاً عن الحركة الحسية نعم أكل بعضهم من كسب يده قال الحافظ :
فقيه مدرسه دى مست بود وفتوى داد
كه مى حرام ولى به زمال اوقافست
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٠٧
غلط الشراح في شرح هذا البيت وأقول تحقيقه أن قوله "ولى به" من كلام الحافظ لا من كلام المفتي.
يعني أن الفقيه كان سكران من شراب الغفلة وحب الدنيا والاعتماد على مال المدرسة ولذا أنكر أهل حال العشق وجعل شرابهم الذي هو العشق حراماً ولكن ليس الأمر كما قال فإنه أولى من مال الوقف.
يعني أن العشق والتوكل التام اللذين عليهما محققوا الصوفية أفضل من الزهد والأكل من مال الوقف اللذين عليهما فقهاء العصر وعلماؤه فالإنكار يتعلق بالفقيه المعتمد لا بالعاشق المتوكل.
قال العلماء : كان الأنبياء عليهم السلام يحترفون بالحرف ويتكسبون بالمكاسب.
فقد كان إدريس خياطاً.
وقد كان أكثر عمل نبينا عليه السلام في بيته الخياطة وفي الحديث "عمل الأبرار من الرجال الخياطة وعمل الأبرار من النساء الغزل" كما في "روضة الأخبار" وفي الحديث "علموا بنيكم السباحة والرمي ولنعم لهو المؤمنة مغزلها وإذا دعا أبوك وأمك فأجب أمك" كما في "المقاصد الحسنة" للسخاوي وفي الحديث "صرير مغزل المرأة يعدل التكبير في سبيل الله والتكبير في سبيل الله أثقل في الميزان من سبع سموات وسبع أرضين" وفي الحديث "المغزل في يد المرأة الصالحة كالرمح في يد الغازي المريد به وجه الله تعالى"(٣) كما في "مجمع الفضائل".
وكان نوح نجارا.
وإبراهيم بزازاً وفي الحديث "لو اتجر أهل الجنة لاتجروا في البز ولو اتجر أهل النار لاتجروا في الصرف" كذا في "الأحياء".
وداود زراداً.
وآدم زراعاً وكان أول من حاك ونسج أبونا آدم.
قال كعب : مرت مريم في طلب عيسى بحاكة فسألت عن الطريق فأرشدوها إلى غير الطريق فقالت : اللهم انزع البركة من كسبهم وأمتهم فقراء وحقرهم في أعين الناس فاستجيب دعاؤها ولذا قيل لا تستشيروا الحاكة فإن الله سلب عقولهم ونزع البركة من كسبهم.
وكان سليمان يعمل الزنبيل في سلطته ويأكل من ثمنه ولا يأكل من بيت المال.
وكان موسى وشعيب ومحمد رعاة فإنه عليه السلام آجر نفسه قبل النبوة في رعى الغنم وقال :"وما من نبي إلا وقد رعاها" ومن حكمة الله في ذلك أن الرجل إذا استرعى الغنم التي هي أضعف البهائم سكن قلبه الرأفة واللطف تعطفاً فإذا انتقل من ذلك إلى رعاية الخلق كان قد هرب أولاً من الحدة الطبيعية والظلم الغريزي فيكون في أعدل الأحوال وحينئذٍ لا ينبغي لأحد عير برعاية الغنم أن يقول كان النبي عليه السلام يرعى الغنم فإن قال ذلك أدّب لأن ذلك كما علمت كمال في حق الأنبياء دون غيرهم فلا ينبغي الاحتجاج به ويجري ذلك في كل ما يكون كمالاً في حقه عليه السلام دون غيره كالأمية فمن قيل له أنت أمي فقال : كان عليه السلام أمياً يؤدب كما في "إنسان العيون".
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٠٧
يقول الفقير فقول السلطان سليم الأول من الخواقين العثمانية :
٥٠٩
يك كدا بود سليمان بعصا وزنبيل
يافت از لطف توآن حشمت ملك آرايى
مصطفى بود يتيمى زعرب ست درت
دادش انعام توتاج شرف بالايى