قالوا : من كان مجاوراً للعزيز والشريف صار عزيزاً شريفاً ومن كان مجاوراً للذليل والوضيع كان ذليلاً ووضيعاً ألا ترى أن الصبا إذا مرت بالأزهار والأوراد تحمل الرائحة الطيبة وإذا عبرت على المستقذرات تحمل الرائحة الخبيثة وقس على هذا من كان مصاحباً لأوصاف النفس ومن كان مجاوراً لأخلاق الروح ﴿وَءَاتَيْنَـاهُ أَهْلَه وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ﴾ بأن ولد له ضعف ما كان.
ـ روي ـ أن الله تعالى رد إلى امرأته شبابها فولدت له ستة وعشرين ولداً كما هو المروى عن ابن عباس رضي الله عنهما ورد أمواله وكان رحيماً بالمساكين يكفل الأيتام والأرامل ويكرم الضيف ويبلغ ابن السبيل وفي الحديث "بينما أيوب يغتسل عرياناً خر عليه رجل جراد من ذهب فجعل أيوب يحثو في ثوبه فناداه ربه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى قال : بلى وعزتك ولكن لا غنى لي عن بركتك" وفيه دلالة على إباحة تكثير المال الحلال ﴿رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا﴾ أي : آتيناه ما ذكر لرحمتنا إياه بالرحمة الخاصة ﴿وَذِكْرَى لِلْعَـابِدِينَ﴾ وتذكرة وعبرة لغيره من العابدين ليعلموا بذلك كما قدرتنا ويصبروا كما صبر أيوب فيثابوا كما أثيب :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥١٢
هركه اودرراه حق صابر بود
بر مراد خويشتن قادر بود
صبر بايد تاشود بكسو حرج
زانكه كفت الصبر مفتاح الفرج
واعلم أن بلاء أيوب من قبيل الامتحان ليبرز ما في ضميره فيظهر لخلقه درجته أين هو من ربه وبلاء يوسف من قبيل تعجيل العقوبة أي : على قوله :﴿اذْكُرْنِى عِندَ رَبِّكَ﴾ (يوسف : ٤٢).
وبلاء يحيى حيث
٥١٤
ذبح من قبيل الكرامة إذ لم يهم بخطيئة قط.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥١٢
﴿وَإِسْمَـاعِيلَ﴾ بمعنى مطيع الله ﴿وَإِدْرِيسَ﴾ هو اخنوخ بن برد بن مهلاييل قال بعضهم سمي به لكثرة دراسته وقد سبق تحقيقه ﴿وَذَا الْكِفْلِ﴾ بمعنى الكفالة والضمان لأن نبياً من أنبياء بني إسرائيل أوحى الله إليه أني أريد قبض روحك فأعرض ملكك على بني إسرائيل فمن تكفل لك أنه يصلي بالليل لا يفتر ويصوم بالنهار لا يفطر ويقضي بين الناس ولا يغضب فسلم ملكك إليه ففعل ذلك فقال شاب : أنا أتكفل لك بهذا فتكفل ووفى به فشكره الله ونبأه فسمي ذا الكفل والمعنى واذكرهم ﴿كُلٌّ﴾ أي : كل واحد من هؤلاء ﴿مِّنَ الصَّـابِرِينَ﴾ أي : الكاملين في الصبر على مشاق الطاعات واحتمال البليات فإن إسماعيل قد صبر عند ذبحه وقال : يا أبت افعل ما تؤمر الآية وصبر على المقام ببلد لا زرع فيه ولا ضرع ولا بناء فلا جرم أكرمه الله وأخرج من صلبه خاتم النبيين عليه وعليهم السلام وإدريس قد صبر على دراسته وذو الكفل قد صبر على صيام النهار وقيام الليل وأذى الناس في الحكومة بينهم ولا يغضب.
وفيه إشارة إلى أن كل من صبر على طاعة الله وعن معصيته أو على ما أصابه من مصيبة في المال والأهل والنفس فإنه بقدر صبره يستوجب نعمة رتبة نعم العبدية ويصلح لإدخاله في رحمته المخصوصة به كما قال.
﴿وَأَدْخَلْنَـاهُمْ فِى رَحْمَتِنَآ﴾ الخاصة من النبوة وغيرها ﴿إِنَّهُم مِّنَ الصَّـالِحِينَ﴾ أي : الكاملين في الصلاح وهم الأنبياء فإن صلاحهم معصوم من الفساد (وبعض كبار ميفرما يدكه مؤمنان كناه كنند وباز توبه كنند وون توبه بشرط باشد خداوند قبول كند واوليا كناه نكنند اما امكان داردكه بكنند ازجهت آنكه جائز الخطا ند).
قيل لأبي يزيد قدس سره أيعصي العارف؟ فقال وكان أمر الله قدراً مقدوراً ثم يرد إلى مقامه بعد ذلك إن كان من أهل العناية والوصول فتكون توبته من ذلك على قدر مقامه فيرجى أن يكون في قوة تلك التوبة وعلو منصبها أن يجبر وقت الغفلة حتى يكون كأنه ما خسر شيئاً وما انتقل كتوبة ماعز الذي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلّم "لو قسمت على أهل السموات والأرض لوسعتهم" (وانبيا كناه نكردند وامكان نداشت كه بكنندازجهت آنكه معصوم بوردند).
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥١٥