﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾ أي : دعاءه الذي في ضمن الاعتراف بالذنب على ألطف وجه وآكده.
وفيه إشارة إلى أنه تعالى كما أجاب يونس ونجاه من ظلمات عالم الأجسام كذلك ينجي روح المؤمن المؤيد منه من حجب ظلمات النفس والقالب والدنيا ليذكره بالوحدانية في ظلمات عالم الأجساد كما كان يذكره في أنوار عالم الأرواح ويكون متصرفاً في عالم الغيب والشهادة بإذنه خلافة عنه كما في "التأويلات النجمية" وفي الحديث "ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلا استجيب له".
وعن الحسن ما نجاه والله إلا إقراره على نفسه بالظلم.
وفي "صحيح المستدرك" قال عليه السلام :"اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به أجاب وإذا سئل به أعطى لا إله إلا أنت" الخ ﴿وَنَجَّيْنَـاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾ من غم الالتقام والبحر بأن قذفه الحوت إلى الساحل بعد أربع ساعات أو ثلاثة أيام أو سبعة أو أربعين والذهاب به إلى البحار القاصية وتخوم الأرض السابعة.
وقال بعضهم : كان رأس الحوت فوق الماء وفمه مفتوحاً.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه أوحى الله إلى الحوت أن خذه ولا تخدش له لحماً ولا تكسر له عظماً فأخذه ثم هوى به إلى مسكنه في البحر فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حساً فقال في نفسه : ما هذا فأوحى الله إليه أن هذا تسبيح دواب البحر فسبح هو في بطنه فسمع الملائكة تسبيحه وقالوا : يا رب نسمع صوتاً ضعيفاً بأرض غريبة.
وفي رواية صوتاً معروفاً من مكان مجهول فقال : ذاك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت فقالوا : العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح قال : نعم فشفعوا عند ذلك فأمر الحوت فقذفه في الساحل
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥١٦
﴿وَكَذالِكَ﴾ أي : مثل ذلك الإنجاء لا إنجاء أدنى منه ﴿نُـاجِى الْمُؤْمِنِينَ﴾ من غموم دعوا الله فيها بالإخلاص.
وعن جعفر بن محمد قال : عجبت ممن يبتلي بأربع كيف يغفل عن أربع عجبت لمن يبتلي بالهم كيف لا يقول :﴿لا إله إِلا أَنتَ سُبْحَـانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّـالِمِينَ﴾ لأن الله تعالى يقول :﴿فَاسْتَجَبْنَا لَه وَنَجَّيْنَـاهُ مِنَ الْغَمِّا وَكَذَالِكَ نُـاجِى الْمُؤْمِنِينَ﴾ وعجبت لمن يخاف شيئاً من السوء كيف لا يقول :﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ لأن الله تعالى يقول :﴿فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُواءٌ﴾ (آل عمران : ١٧٤) وعجبت لمن يخاف مكر الناس كيف لا يقول ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِى إِلَى اللَّه إِنَّ اللَّهَ بَصِيرُا بِالْعِبَادِ﴾ (غافر : ٤٤) لأن الله تعالى يقول :﴿فَوَقَـاـاهُ اللَّهُ سَيِّـاَاتِ مَا مَكَرُوا﴾ (غافر : ٤٥) وعجبت لمن يرغب في الجنة كيف لا يقول :﴿مَا شَآءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ﴾ (الكهف : ٣٩) لأن الله تعالى يقول :﴿فَعَسَى رَبِّى أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ﴾ (الكهف : ٤٠).
قال قتادة : ذكر لنا رجل على عهد رسول الله عليه السلام قال : اللهم ما كنت تعاقبني به في الآخرة فعجله لي في الدنيا فمرض الرجل مرضاً شديداً فأضنى حتى صار كأنه هامة فأخبر به رسول الله فأتاه فرفع رأسه وليس به حراك فقيل : يا رسول الله إنه كان يدعو بكذا وكذا فقال عليه السلام :"يا ابن آدم إنك لن تستطيع أن تقوم بعقوبة الله تعالى ولكن
٥١٨
قل : اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" فدعا بها فبرىء.
وعن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله أروّع في منامي قال : قل "أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين أن يحضروني"، وفي "المثنوي" :
تا فرود آيد بلابى دافعى
ون نباشد از تضرع شافعىجز خضوع وبندكى واضطرار
اندرين حضرت ندارد اعتبارزور را بكذار وزارى را بكير
رحم سوى زارى آيد اى فقيرزارىء مضطركه تشنه معنويست
زارىء سردى دروغ آن غويست
كريه اخوان يوسف حيلتست
كه درونشان برزرشك وعلتست
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥١٦
﴿وَزَكَرِيَّآ﴾ واذكر خبر زكريا بن اذن بن مانان من أنبياء بني إسرائيل ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ﴾ وقال :﴿رَبِّ﴾ (اى رورد كار من) ﴿لا تَذَرْنِى فَرْدًا﴾ مثل هذه العبارة من العبد للسيد تضرع ودعاء لا نهى أي : هب لي ولداً ولا تدعني وحيداً بلا ولد يرثني لما بلغ عمر زكريا عليه السلام مائة سنة وبلغ عمر زوجته تسعاً وتسعين ولم يرزق لهما ولد أحب أن يرزقه الله من يؤنسه ويقويه على أمر دينه ودنياه ويكون قائماً مقامه بعد موته فدعا ثم رد الأمر إلى مولاه مستسلماً ومنقاداً لمشيئته فقال :﴿وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ﴾ خير من يبقى بعد من يموت فحسبي أنت إن لم ترزقني وارثاً فهو ثناء على الله تعالى بأنه الباقي بعد فناء الخلق وله ميراث السموات والأرض.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥١٩


الصفحة التالية
Icon