﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾ أي : دعاءه في حق الولد كما قال :﴿وَوَهَبْنَا لَه يَحْيَى﴾ لا في حق الوراثة إذ المشهور أن يحيى قتل قبل موت أبيه وهذا لا يقدح في شأن زكريا كما لا يقدح عدم استجابة دعاء إبراهيم في حق أبيه في شأنه فإن الأنبياء عليهم السلام وإن كانوا مستجابي الدعوة لكن أثر بعض الدعوات لا يظهر في هذا الموطن للحكمة الإلهية ﴿وَأَصْلَحْنَا لَه زَوْجَه﴾ ايشاع بنت عمران او بنت فاقود أي : جعلناها ولوداً بعد أن كانت عقيماً فإنها لم تلد قط بعد أن بلغت تسعاً وتسعين سنة ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَـارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ﴾ الضمير عائد إلى زكريا وزوجه ويحيى أو الأنبياء المذكورين فيكون تعليلاً لما فصل من فنون إحسانه تعالى المتعلقة بهم مثل إيتاء موسى وهارون الفرقان وتبريد النار وإطفائها لإبراهيم وإنجاء لوط مما نزل بقومه وإنجاء نوح ومن كان معه في السفينة من أذى القوم وكرب الطوفان وغير ذلك مما تفضل به على الأنبياء السابقين أي : أنهم كانوا يبادرون في وجوه الخيرات مع ثباتهم واستقرارهم في أصل الخيرات وهو السر في إيثار كلمة في على كلمة إلى المشعرة بخلاف المقصود من كونهم خارجين عن أصل الخيرات متوجهين إليها كما في قوله تعالى :﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ﴾ (آل عمران : ٣ظ١) الآية.
قال الراغب الخير ما يرغب فيه الكل بكل حال وهو الخير المطلق والشر ضده ﴿وَيَدْعُونَنَا﴾ حال كونهم ﴿رَغَبًا﴾ راغبين في اللطف والجمال ﴿وَرَهَبًا﴾ خائفين من القهر والجلال أو راغبين فينا وراهبين مما سوانا والرغبة السعة في الإرادة يقال رغب الشيء اتسع فإذا قيل رغب فيه وإليه يقتضي الحرص عليه فإذا قيل : رغب عنه اقتضى صرف الرغبة عنه والزهد فيه والرغبة العطاء الكثير لكونه مرغوباً
٥١٩
فيه فيكون مشتقاً من الأصل فإن أصل الرغبة السعة في الشيء ومنه ليلة الرغائب أي : العطايا الجزيلة قال : يعطي الرغائب من يشاء ويمنع والرهبة مخافة مع تحرك واضطراب ﴿وَكَانُوا لَنَا خَـاشِعِينَ﴾ عابدين في تواضع وضراعة وأكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح ولكن شأن الأنبياء أعلى من أن يكون حالهم منحصراً في الظاهر فلهم خشوع كامل في القلب والقالب جميعاً وأكل العبد خشناً واللبس خشناً وطأطأة الرأس ونحوها من غير أن يكون في قلبه الإخلاص والخوف من الله تعالى صفة المرائي والمتصنع.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥١٩
ورآوازه خواهى در اقليم فاش
برون حله كن كردرون حشو باش
بنزديك من شب روراه زن
به از فاسق ارسا يرهن
ه قدر آورد بنده خورديش
كه زير قبا دارد اندام يش
والمعنى أنهم نالوا من الله ما نالوا بسبب اتصافهم بهذه الخصال الحميدة فليفعل من أراد الإجابة إلى مطلوبه مثل ما فعلوا وليتخلق بتلك الأخلاق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥١٩
﴿وَالَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ المراد بها مريم بنت عمران.
والحصن في الأصل كل موضع حصين أي : محكم لا يوصل إلى جوفه وأحصنه جعله في حصن وحرز ثم تجوز في كل تحرز وامرأة حصان كسحاب عفيفة أو متزوجة والفرج والفرجة الشق بين الشيئين كفرجة الحائط والفرج ما بين الرجلين وكنى به عن السوء وكثر حتى صار كالصريح فيه والفرج انكشاف الغم وفراريج الدجاج لانفراج البيض عنها.
أي : اذكر خبر مريم التي حفظت سوأتها حفظاً كلياً من الحلال والحرام (يعني خوردا اكيزه داشت ودست هيكس بدا من عفت او نرسيد).
وقال الإمام السهيلي رحمه الله يريد فرج القميص أي : لم يعلق بثوبها ريبة أي : أنها طاهرة الأثواب وفروج القميص أربعة : الكمان، والأعلى، والأسفل، فلا يذهب وهمك إلى غير هذا فإنه من لطيف الكناية انتهى ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا﴾ أي : أحيينا عيسى كائناً في جوفها فقوله فيها حال من المفعول المحذوف ﴿مِن رُّوحِنَا﴾ من الروح الذي هو من أمرنا ففيه تشبيه لايراد الروح في البدن بنفخة النافخ في الشيء فيكون نفخنا استعارة تبعية.
وقال السهيلي : النفخ من روح القدس بأمر القدوس فأضف القدس إلى القدوس ونزه المقدسة عن الظن الكاذب والحدس انتهى وقد سبقت قصة النفخ في سورة مريم ﴿وَجَعَلْنَـاهَا وَابْنَهَآ﴾ أي : حالهما ﴿ءَايَةً﴾ عظيمة ﴿لِّلْعَـالَمِينَ﴾ وعلامة دالة على القدرة الكاملة لأهل زمانهما ولمن بعدهما فإن من تأمل في ظهور ولد من بتول عذراء من غير فحل تحقق كمال قدرته تعالى ولم يقل آيتين لأنها قصة واحدة وهي ولادتها له من غير ذكر ولكل واحد منهما آيات مستقلة متكاثرة كما أشير إلى بعض منها في القرآن وإلى بعض آخر في التفاسير وكتب القصص، وفي "المثنوي" :
صومعه عيسيست خوان اهل دل
هان هان اى مبتلا اين درمهل
جمع كشتندى زهر اطراف خلق
از ضرير وشل ولنك واهل دلق
بر درآن صومعه عيسى صباح
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٢٠
تابدم اوشان رهاند ازجناح
او و كشتى فارغ از اوراد خويش
اشتكه بيرون شدى آن خوب كيش
٥٢٠