﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى﴾ الخصلة الحسنى التي هي أحسن الخصال وهي السعادة وهو كافة المؤمنين الموصوفين بالإيمان والأعمال الصالحة أو سبقت لهم كلمتنا بالبشرى بالثواب على الطاعة ﴿أولئك﴾ المنعوتون بما ذكر من النعت الجميل ﴿عَنْهَا﴾ أي : عن جهنم ﴿مُبْعَدُونَ﴾ (دور كرده شد كانند) لأنهم في الجنة وشتان بينها وبين النار لأن الجنة في أعلى عليين والنار في أسفل السافلين (صاحب بحر فرموده كه سبق عنايت ازليه دربدايت موجب ظهور ولايت است درنهايت هرتخم كه درازل بكشتند نهان درمزرعه ابد برويد بعيان).
قال بعض الكبار ظاهر حسن العناية السابقة لأهل الاصطفاء أربعة أشياء : الانفراد من الكونين، والرضى بلقاء الله عن الدارين، وإمضاء العيش مع الله بالحرمة والأدب، وظهور أنوار قدرة الله منهم بالفراسات الصادقة والكرامات الظاهرة.
وباطن حسن العناية السابقة من الله في الأزل لهم أربعة أيضاً : المواجيد الساطعة، وانفتاح العلوم الغيبية، والمكاشفات القائمة، والمعارف الكاملة وفي كل موضع ظهرت هذه الأشياء بالظاهر والباطن صار صاحبها مشهوراً في الآفاق بسمات الصديقين وعلامات المقربين وخلافة سيد المرسلين.
وقال بعضهم الحسنى العناية والاختيار والهداية والعطاء والتوفيق فبالعناية وقعت الكفاية وبالاختيار وقعت الرعاية وبالهداية وقعت الولاية وبالعطاء وقعت الحكمة وبالتوفيق وقعت الاستقامة، قال الشيخ سعدي قدس سره :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٢٤
نحست او ارادت بدل بر نهاد
سين بنده بر آستان سرنهاد
ه اندريشى ازخودكه فعلم نكوست
ازان درنكه كن كه توفيق اوست
برد بوستان بان بايوان شاه
بتحفه ثمر هم زبستان شاه
٥٢٤
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٢٤
﴿لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا﴾ الحسيس صوت يحس به أي : لا يسمعون صوتها سمعاً ضعيفاً كما هو المعهود عند كون المصوت بعيداً وإن كان صوته في غاية الشدة لا أنهم لا يسمعون صوتها الخفي في نفسه فقط.
قال الصادق : كيف يسمعون حسيسها والنار تخمد لمطالعتهم وتتلاشى برؤيتهم وفي الحديث "تقول النار للمؤمن يوم القيامة جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي"، وفي المثنوي :
ز آتش مؤمن ازين رو اى صفى
ميشود دوزخ ضعيف ومنطفى
كويدش بكذر سبك اى محتشم
ورنه ز آنشهاى تومرد آتشم
وفي "التأويلات النجمية" ومن آثار سبق العناية الأزلية أن لا يسمعون حسيس جهنم القهر وحسيسها مقالات أهل الأهواء والبدع وأدلة الفلاسفة وبراهنيهم بالعقول المشوبة بالوهم والخيال وظلمة الطبيعة ﴿وَهُمْ فِى مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَـالِدُونَ﴾ دائمون في غاية التنعم والاشتهاء والشهوة طلب النفس اللذة وتقديم الظرف للقصر والاهتمام وهو بيان لفوزهم بالمطالب أثر بيان خلاصهم من المهالك.
قال ابن عطاء للقلوب شهوة وللأرواح شهوة وللنفوس شهوة وقد يجمع الله لهم في الجنة جميع ذلك فشهوة الأرواح القرب وشهوة القلوب المشاهدة والرؤية وشهوة النفوس الالتذاذ بالراحة والأكل والشرب والزينة.
﴿لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الاكْبَرُ﴾ بيان لنجاتهم من الافزاع بالكلية بعد بيان نجاتهم من النار لأنهم لم يحزنهم أكبر الافزاع لا يحزنهم ما عداه بالضرورة والفزع انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف وهو من جنس الجزع ولا يقال فزعت من الله كما يقال خفت منه.
قال الراغب الفزع الأكبر هو الفزع من دخول النار.
وقال بعضهم ذبح الموت بمرأى من الفريقين وإطباق جهنم على أهلها أي : وضع الطبق عليها بعدما أخرج منها من أخرج فيفزع أهلها حينئذٍ فزعاً شديداً لم يفزعوا فزعاً أشد منه.
وقال بعض أرباب الحقيقة هو قوله تعالى في الأزل "هؤلاء في الجنة ولا أبالي" وذلك لأن نفوسهم المطمئنة في الجنة المضافة إلى الحضرة كما قال تعالى :﴿وَادْخُلِى جَنَّتِى﴾ (الفجر : ٣٠) فافهم جداً ﴿وَتَتَلَقَّـاهُمُ الملائكة﴾ أي : تستقبلهم ملائكة الرحمة مهنئين لهم ﴿هَـاذَا يَوْمُكُمُ﴾ على إرادة القول أي : قائلين هذا اليوم يومكم ﴿الَّذِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ في الدنيا وتبشرون بما فيه من فنون المثوبات على الإيمان والطاعة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٢٥
قال الكاشفي :(عابدانرا كويند اين روز جزاى شماست عارفانرا خطاب رسدكه اين روز تماشاى شماست) :
نيك مردانرا نعيم اندر نعيم
عشق بازانرا لقا اندر لقاء
حصه آنها وصال حور عين
بهزه اينها جمال كبريا
فليجتهد العاقل في الطاعات حتى يصل إلى القربات وليبعد نفسه عن المخالفات ليأمن من العقوبات.


الصفحة التالية
Icon