﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ﴾ وهو كتاب داود عليه السلام كما قال :﴿وَءَاتَيْنَا دَاوُادَ زَبُورًا﴾ (النساء : ١٦٣) ﴿مِنا بَعْدِ الذِّكْرِ﴾ أي : بعدما كتبنا في التوراة لأن كل كتاب سماوي ذكر كما سبق.
قال الراغب زبرت الكتاب كتبته كتابة غليظة وكل كتاب غليظ الكتابة يقال له الزبور وخص بالكتاب المنزل على داود.
قيل : بل الزبور كل كتاب يصعب الوقوف عليه من الكتب الإلهية.
وقال بعضهم اسم للكتاب المقصور على الحكمة العقلية دون الأحكام الشرعية والكتاب لما يتضمن الأحكام والحكم ويدل على ذلك أن زبور داود لا يتضمن شيئاً من الأحكام.
قال في "القاموس" الزبور الكتاب بمعنى المزبور والجمع زبر وكتاب داود عليه السلام انتهى ﴿أَنَّ الارْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّـالِحُونَ﴾ أي : عامة المؤمنين بعد إجلاء الكفار كما قال :﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الارْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ (النور : ذ٥) وهذا وعد منه بإظهار الدين وإعزاز أهله.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن المراد أرض الجنة كما ينبىء عنه قوله تعالى :﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَه وَأَوْرَثَنَا الارْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ﴾ (الزمر : ٧٤).
قال في "عرائس البقلى" : كان في علم الأزلية أن أرض الجنان ميراث عباده الصالحين من الزهاد والعباد والأبرار والأخيار لأنهم أهل الأعواض والثواب والدرجات وأن مشاهدة جلال أزليته ميراث أهل معرفته ومحبته وشوقه وعشقه لأنهم في مشاهدة الربوبية وأهل الجنة في مشاهدة العبودية.
قال سهل أضافهم إلى نفسه وحلاهم بحلية الصلاح معناه لا يصلح لي إلا ما كان لي خالصاً لا يكون لغيري فيه أثر وهم الذين أصلحوا سريرتهم مع الله وانقطعوا بالكلية عن جميع ما دونه.
وقال الشيخ المغربي قدس سره :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٢٦
مجوى دردل ما غير دوست زآنكه نيابى
ازانكه دردل محمود جزاياز نباشد
﴿إِنَّ فِى هَـاذَا﴾ أي : فيما ذكر في السورة الكريمة من الأخبار والمواعظ البالغة والوعد والوعيد والبراهين القاطعة على التوحيد وصحة النبوة ﴿لَبَلَـاغًا﴾ أي : كفاية ﴿لِّقَوْمٍ عَـابِدِينَ﴾ أي : لقوم همهم العبادة دون العادة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٢٦
﴿وَمَآ أَرْسَلْنَـاكَ﴾ يا محمد بما ذكر وأمثاله من الشرائع والأحكام وغير ذلك من الأمور التي هي مناط السعادة في الدارين في حال من الأحوال ﴿إِلا﴾ حال كونك ﴿رَحْمَةً لِّلْعَـالَمِينَ﴾ فإن ما بعثت به سبب لسعادة الدارين ومنشأ لانتظام مصالحهم في النشأتين ومن أعرض عنه واستكبر فإنما وقع في المحنة من قبل نفسه فلا يرحم وكيف كان رحمة للعالمين وقد جاء بالسيف استباحة الأموال.
قال بعضهم : جاء رحمة للكفار أيضاً من حيث أن عقوبتهم أخرت بسببه وأمنوا به عذاب الاستئصال والخسف والمسخ ورد في الخبر أنه عليه السلام قال لجبريل :"إن الله يقول وما أرسلناك إلى آخره فهل أصابك من هذه الرحمة" قال : نعم إني كنت أخشى عاقبة الأمر فأمنت بك لثناء أثنى الله علي بقوله :﴿ذِى قُوَّةٍ عِندَ ذِى الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾ (التكوير : ٢٠ ـ ٢١).
قال الكاشفي :(در كشف الأسرار آورده كه از رحمت وى بودكه امت را در هي مقام فراموش نكرد اكر دومكه معظمه بود واكر در مدينة زاهره اكر در مسجد مكرم بود واكر در حجره طاهره همنين در ذروه عرش على ومقام قاب قوسين
٥٢٧
او ادنى ياد فرمودكه "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" فردا در مقام محمود بساط شفاعت كسترده كويد امتى امتى) :
عاصيان ركنه در دامن آخر زمان
دست درد امان تودارندو جان در آستين
نا اميد از حضرت بانصرتت نتوان شدن
ون تويى درهر دو عالم رحمة للعالمين
قال بعض الكبار : وما أرسلناك إلا رحمة مطلقة تامة كاملة عامة شاملة جامعة محيطة بجميع المقيدات من الرحمة الغيبية والشهادة العلمية والعينية والوجودية والشهودية والسابقة واللاحقة وغير ذلك للعالمين جمع عوالم ذوي العقول وغيرهم من عالم الأرواح والأجسام ومن كان رحمة للعالمين لزم أن يكون أفضل من كل العالمين وعبارة ضمير الخطاب في قوله :﴿وَمَآ أَرْسَلْنَـاكَ﴾ خطاب للنبي عليه السلام فقط وإشارته خطاب لكل واحد من ورثته الذين هم على مشربه إلى يوم القيامة بحسب كونه مظهراً لارثه.
وقال بعض الكبار : إنما كان رحمة للعالمين بسب اتصافه بالخلق العظيم ورعايته المراتب كلها في محالها كالملك والملكوت والطبيعة والنفس والروح والسر.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٢٧