وفي "التأويلات النجمية" في سورة مريم بين قوله :﴿وَرَحْمَةً مِّنَّا﴾ في حق عيسى وبين قوله في حق نبينا عليه السلام ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَـاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَـالَمِينَ﴾ فرق عظيم وهو أنه في حق عيسى ذكر الرحمة مقيدة بحرف من ومن للتبعيض فلهذا كان رحمة لمن آمن به واتبع ما جاء به إلى أن بعث نبينا عليه السلام هم انقطعت الرحمة من أمته بنسخ دينه وفي حق نبينا عليه السلام ذكر الرحمة للعالمين مطلقاً فلهذا لا تنقطع الرحمة عن العالمين أبداً أما في الدنيا فبأن لا ينسخ دينه وأما في الآخرة فبأن يكون الخلق محتاجين إلى شفاعته حتى إبراهيم عليه السلام فافهم جداً.
قال في "عرائس البقلى" : أيها الفهيم إن الله أخبرنا أن نور محمد عليه السلام أول ما خلقه ثم خلق جميع الخلائق من العرش إلى الثرى من بعض نوره فإرساله إلى الوجود والشهود رحمة لكل موجود إذ الجميع صدر منه فكونه كون الخلق وكونه سبب وجود الخلق وسبب رحمة الله على جميع الخلائق فهو رحمة كافية وافهم أن جميع الخلائق صورة مخلوقة مطروحة في فضاء القدرة بلا روح حقيقة منتظرة لقدوم محمد عليه السلام فإذا قدم إلى العالم صار العالم حياً بوجوده لأنه روح جميع الخلائق.
ويا عاقل إن من العرش إلى الثرى لم يخرج من العدم إلا ناقصاً من حيث الوقوف على أسرار قدمه بنعت كمال المعرفة والعلم فصاروا عاجزين عن البلوغ إلى شط بحار الألوهية وسواحل قاموس الكبريائية فجاء محمد عليه السلام اكسير أجساد العالم وروح أشباحه بحقائق علوم الأزلية وأوضح سبيل الحق للخلق بحيث جعل سفر الآزال والآباد للجميع خطوة واحدة فإذا قدم من الحضرة إلى سفر القربة بلغهم جميعاً بخطوة من خطوات صحاري "سبحان الذي أسرى بعبده" حتى وصل إلى مقام أو أدنى فغفر الحق لجميع الخلائق بقدمه المبارك.
قال بعض العلماء : إن كل نبي كان مقدمة للعقوبة لقوله تعالى :﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا﴾ ونبينا عليه السلام كان مقدمة للرحمة لقوله :﴿وَمَآ أَرْسَلْنَـاكَ﴾ إلى آخره وأراد الله تعالى أن يكون خاتمة على الرحمة لا على العقوبة لقوله تعالى :"سبقت رحمتي على غضبي" ولهذا جعلنا آخر الأمم فابتداء الوجود رحمة وآخره وخاتمته
٥٢٨
رحمة.
واعلم أنه لما تعلقت إرادة الحق بإيجاد الخلق أبرز الحقيقة الأحمدية من كمون الحضرة الأحدية فميزه بميم الامكان وجعله رحمة للعالمين وشرف به نوع الإنسان ثم انجبست منه عيون الأرواح ثم بدا ما بدا في عالم الأجساد والأشباح كما قال عليه السلام :"أنا من الله والمؤمنون من فيض نوري" فهو الغاية الجليلة من ترتيب مبادي الكائنات كما قال تعالى :"لولاك لما خلقت الأفلاك" :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٢٧
علت غائيه هر عالم اوست
سرور اولاد بني آدم اوست
واسطه فيض وجودي همه
رابطه بود ونبودى همه
قال العرفي الشيرازي في قصيدته النعتية :
ازبس شرف كوهر تومنشىء تقدير
آن روزكه بكذا شتى اقليم عدم را
تاحكم نزول تودرين دار نوشته است
صدره بعبث باز تراشيده قلم را
المراد من العبث مقلوبه وهو البعث يعني يكفيك شرفاً وفضلاً أن الله سبحانه إنما خلق الخلق وبعث الأنبياء والرسل ليكونوا مقدمة لظهورك في عالم الملك والشهادة فأرواحهم وأجسادهم تابعة لروحك الشريف وجسمك اللطيف.
ثم اعلم أن حياته عليه السلام رحمة ومماته رحمة كما قال :"حياتي خير لكم ومماتي خير لكم" قالوا هذا خيرنا في حياتك فما خيرنا في مماتك؟ فقال :"تعرض عليّ أعمالكم كل عشية الإثنين والخميس فما كان من خير حمدت الله تعالى وما كان من شر أستغفر الله لكم"، قال المولى الجامي :
زمهجورى برآمد جان عالم
ترحم يا نبي الله ترحم
نه آخر رحمة للعالمين
زمحرومان را فارغ نشينى
زخاك اى لاله سيراب برخيز
ونركس ند خواب از خواب برخيز
اكره غرق درياى كناهم
فناده خشك لب برخاك راهم
تو ابر رحمتي آن به كه كاهى
كنى درحال لب خشكان نكاهى