﴿لا جَرَمَ أَنَّهُمْ﴾ (حقاً كه دران هي شك نيست كه ايشان) ﴿فِى الاخِرَةِ هُمُ الْخَـاسِرُونَ﴾ إذا ضيعوا أعمارهم وصرفوها إلى العذاب المخلد.
وبالفارسية (دران سراى ديكر ايشانند زيان زدكان ه سرمايه عمر ضايع كرده دربازار دينى سودى بدست نياوردند ومفلس وار در شهر قيامت جزدست تهى ودل رحسرت وندامت نخواهد بود)، قال الشيخ سعدى :
قيامت كه بازار مينو نهند
منازل بأعمال نيكو دهند
بضاعت بندان آنكه آرى برى
اكر مفلسي شرمسارى برى
٨٥
كه بازار ندانكه آكنده تر
تهى دست رادل را كنده تر
كسى راكه حسن عمل بيشتر
بدركاه حق منزلت يشتر
قال في "التأويلات النجمية" : يعني أهل الغفلة في الدنيا هم أهل الخسارة في الآخرة.
وفيه إشارة أخرى وهي أن التغافل بالأعضاء عن العبودية تورث خسران القلوب عن مواهب الربوبية انتهى.
قال بعض الأكابر ولا حجاب إلا جهالة النفس بنفسها وغفلتها عنها فلو ارتفعت جهالتها وغفلتها لشاهدت الأمر وعاينته كما تشاهد الشمس في وسط السماء وتعاينها.
قال وهب بن منبه خلق ابن آدم ذا غفلة ولولا ذلك ما هنىء عيشه، وفي "المثنوي" :
استن اين عالم اى جان غفلتست
هو شيارى اين جهانرا آفتست
هو شارى زان جهانست وو آن
غالب آمد ست كردد اين جهان
هو شيارى آفتاب وحرص يخ
هو شيارى آب واين عالم وسخ
اللهم اجعلنا من أهل اليقظة والانتباه ولا تجعلنا ممن اتخذ الهه هواه وشرفنا بمقامات المكاشفين العارفين وأوصلنا إلى حقيقة اليقين والتحقيق والتمكين إنك أنت النصير والمعين.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٨٤
﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ﴾.
قال قتادة : ذكر لنا أنه لما أنزل الله تعالى أن أهل مكة لا يقبل منهم الإسلام حتى يهاجروا كتب بها أهل المدينة إلى أصحابهم من أهل مكة فلما جاءهم ذلك خرجوا فلحقهم المشركون فردوهم فنزل :﴿الاـما * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾ (العنكبوت : ٢) فكتبوا بها إليهم فتبايعوا بينهم على أن يخرجوا فإن لحقهم المشركون من أهل مكة قاتلوهم حتى ينجوا أو يلحقوا بالله فأدركهم المشركون فقاتلوهم فمنهم من قتل ومنهم من نجا فأنزل الله تعالى هذه الآية كذا في "أسباب النزول" للواحدي.
وثم للدلالة على تباعد رتبة حالهم عن رتبة حالهم التي يفيدها الاستثناء من مجرد الخروج عن حكم الغضب والعذاب بطريق الإشارة لا عن رتبة حال الكفرة كذا في "الإرشاد" ﴿لِلَّذِينَ هَاجَرُوا﴾ إلى دار الإسلام وهم عمار وصهيب وخباب وسالم وبلال ونحوهم.
واللام متعلقة بالخبر وهو الغفور على نية التأخير وإن الثانية تأكيد للأولى لطول الكلام ﴿مِنا بَعْدِ مَا فُتِنُوا﴾ أي : عذبوا على الارتداد وأكرهوا على تلفظ كلمة الكفر فتلفظوا بما يرضيهم أي : الكفرة مع اطمئنان قلوبهم ﴿ثُمَّ جَـاهَدُوا﴾ في سبيل الله ﴿وَصَبَرُوا﴾ على مشاق الجهاد ﴿إِنَّ رَبَّكَ مِنا بَعْدِهَا﴾ من بعد المهاجرة والجهاد والصبر ﴿لَغَفُورٌ﴾ بما فعلوا من قبل أي : لستور عليهم محاء لما صدر منهم ﴿رَّحِيمٌ﴾ منعم عليهم من بعد بالجنة جزاء على تلك الأفعال الحميدة والخصال المرضية.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٨٦
واعلم أن المهاجرة مفاعلة من الهجرة وهي الانتقال من أرض إلى أرض والمجاهدة مفاعلة من الجهد وهو استفراغ الوسع وبذلك المجهود.
قال في "التعريفات" : المجاهدة في اللغة المحاربة وفي الشرع محاربة النفس الأمارة بالسوء بتحميلها ما يشق عليها مما هو مطلوب في الشرع انتهى.
وكل من المهاجرة الصورية والمعنوية وكذا المجاهدة مقبولة مرضية اذ من كان في أرض لا يقيم فيها شعائر دينه وأهلها ظالمون فهاجر منها لدينه ولو شبرا وجبت له الجنة ومن فارق موطن النفس والمألوفات وحارب الأعداء الباطنة وجبت له القربة ومرتبة الصديقين فوق مرتبة الشهداء.
وعن عمر بن الفارض
٨٦
قدس سره أنه حضر جنازة رجل من أولياء الله تعالى قال : فلما صلينا عليه امتلأ الجو بطيور خضر فجاء طير كبير فابتلعه ثم طار فتعجبت فقال لي رجل كان قد نزل من السماء وحضر الصلاة لا تتعجب فإن أرواح الشهداء في حواصل الطيور خضر ترعى في الجنة أولئك شهداء السيوف وأما شهداء المحبة فأجسادهم أرواح إذ آثار الأرواح اللطيفة تسري إلى الأجساد فتحصل اللطافة لها أيضاً ولذا لا تبلى أجساد الكمل ولا بد لمن أراد أن يصل إلى هذه الرتبة ويحيى حياة أبدية من أن يميت نفسه الأمارة ويزكيها عن سفساف الأخلاق ورذائل الأوصاف كالكبر والعجب والرياء والغضب والحسد وحب المال وحب الجاه يقال إن الدركات السبع للنار بمقابلة هذه الصفات السبع للنفس فالخلاص من هذه الصفات سبب الخلاص من تلك الدركات، قال الشيخ سعدي قدس سره :
ترا شهوت وكبر وحرص وحسد
و خون درركندو وجان درجسد
كر اين دشمنان تقويت يافتند
سراز حكم ورأى توبر تافتند
تو بر كره توسنى در كمر
نكر تانيد ز حكم توسر
اكر الهنك از كفت در كسيخت
تن خويشتن كشت وخون توريخت


الصفحة التالية
Icon