سورة الإسراء
وهي مائة وإحدى عشرة آية مكية.
قال في "الكواشي" : إلا من ﴿وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ﴾ إلى ﴿نَصِيرًا﴾ أو فيها من المدني من ﴿وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ﴾ ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ﴾ ﴿إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ﴾ ﴿وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ﴾ ﴿وَلَوْلا أَن ثَبَّتْنَاكَ﴾ والتي تليها انتهى.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٠١
﴿سُبْحَانَ﴾ اسم بمعنى التسبيح الذي هو التنزيه ومتضمن معنى التعجب وانتصابه بفعل مضمر متروك إظهاره تقديره اسبح الله عن صفات المخلوقين سبحاناً بمعنى تسبيحاً ثم نزل منزلة الفعل فناب منابه كقولهم معاذ الله وغفرانك غير ذلك.
وقيل هو مصدر كغفران بمعنى التنزه وتصدير الكلام به للتنزيه عن العجز عما ذكره بعده وهو لا ينافي التعجب.
قال في "التأويلات النجمية" : كلمة سبحان للتعجب بها يشير إلى أعجب أمر من أموره تعالى جرى بينه وبين حبيبه.
وفي "الأسئلة الحكم" أما اقتران الإسراء بالتسبيح ليتقي بذلك ذو العقل وصاحب الوهم ومن يحكم عليه خياله من أهل التشبيه والتجسيم مما يخيله في حق الخالق من الجهة والجسد والحد والمكان.
وإنما تعجب بعروجه دون نزوله عليه السلام لأنه لما عرج كان مقصده الحق تعالى ولما نزل كان مقصد الخلق والمقصود من التعجب التعجب بعروجه.
وأيضاً أن عروجه أعجب من نزوله لأن عروج الكثيف إلى العلو من العجائب ﴿الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾.
قال الكاشفي :(اكى وبى عيبي آنرا كه بجهت كرامت ببرد بنده خودرا كه محمد است صلى الله عليه وسلّم الإسراء السير بالليل خاصة كالسرى يقال اسري وسري أي : سار ليلاً ومنه السرية لواحدة السرايا لأنها تسري في خفية وأسرى به أي : سيره ليلاً.
قال النضر : سقط السؤال والاعتراضات على المعراج بقوله : أسرى دون سار ونظيره قوله عليه السلام :"حبب إلى من دنياكم ثلاث" حيث لم يقل أحببت.
وإنما قال بعبده دون بنبيه لئلا يتوهم فيه نبوة وألوهة كما توهموا في عيسى
١٠٢
ابن مريم عليهما السلام بانسلاخه عن الأكوان وعروجه بجسم إلى الملأ الأعلى مناقضاً للعادات البشرية وأطوارها.
وأدخل الباء للمناسبة بين العبودية التي هي الذلة والتواضع وبين الباء التي هي حرف الخفض والكسر فإن كل ذليل منكسر.
وفيه إشارة إلى شرف مقام العبودية حتى قال الإمام في تفسيره : إن العبودية أفضل من الرسالة لأن بالعبودية ينصرف من الخلق إلى الحق فهي مقام الجمع وبالرسالة ينصرف من الحق إلى الخلق فهي مقام الفرق والعبودية أن يكل أموره إلى سيده فيكون هو المتكفل بإصلاح مهامه والرسالة التكفل بمهام الأمة وشتان ما بينهما.
قال الشيخ الأكبر قدس سره : إن معراجه عليه السلام أربع وثلاثون مرة واحدة بجسده والباقي بروحه رؤياً رآها أي : قبل النبوة وبعدها وكان الإسراء الذي حصل له قبل أن يوحى إليه توطئة له وتيسيراً عليه كما كان بدأ نبوته الرؤيا الصادقة والذي يدل على أنه عليه السلام عرج مرة بروحه وجسده معاً قوله أسرى بعبده فإن العبد اسم للروح والجسد جميعاً وأيضاً أن البراق الذي هو من جنس الدواب إنما يحمل الأجساد وأيضاً لو كان بالروح حال النوم أو حال الفناء أو الإنسلاخ لما استبعده المنكرون إذ المتهيئون من جميع الملل يحصل لهم مثل ذلك ويتعارفونه بينهم.
قال الكاشفي :(آنانكه درين قصه ثقل جسدرا مانع دانند ازصعود ارباب بدعت اند ومنكر قدرت).
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٠٢
آنكه سرشت تنش ازجان بود
سير وعروجش بتن آسان بود
وقد ذكروا أن جبريل عليه السلام أخذ طينة النبي صلى الله عليه وسلّم فعجنها بمياه الجنة وغسلها من كل كثافة وكدورة فكأن جسده الطاهر كان من العالم العلوي كروحه الشريف.
فإن قلت ففيمَ أسري به؟ قلت : قال صلى الله عليه وسلّم "أسري بي في قفص من لؤلؤ فراشه من ذهب" كما في "بحر العلوم".
﴿لَيْلا﴾ نصب على الظرف وهو تأكيد إذ الإسراء في لسان العرب لا يكون إلا ليلاً حتى لا يتخيل أنه كان نهاراً ولا يظن أنه حصل بروحه أو لإفادة تقليل مدة الإسراء في جزء من الليل لما في التنكير من الدلالة على البعضية من حيث الإفراد فإن قولك سرت ليلاً كما يفيد بعضية زمان سيرك من الليالي يفيد بعضيته من فرد واحد منها بخلاف ما إذا قلت : سرت الليل فإنه يفيد استيعاب السير له جميعاً فيكون معياراً للسير لا ظرفاً له وهي ليلة سبع وعشرين من رجب ليلة الإثنين وعليه عمل الناس قالوا : إنه عليه السلام ولد يوم الاثنين وبعث يوم الاثنين وأسري به ليلة الاثنين وخرج من مكة يوم الاثنين ودخل المدينة يوم الاثنين ومات يوم الاثنين ولعل سره أن يوم الاثنين إشارة إلى التعين الثاني الذي هو مبدأ الفياضية ونظيره الباء كما أن الباء من الحروف الهجائية له التعين الثاني فكذا يوم الاثنين فكان الألف ويوم الأحد بمنزلة تعين الذات والباء ويوم الاثنين أي : تعينهما بمنزلة تعين الصفات فافهم وفي وصف هذه الليلة، قال المولى الجامي قدس سره :
ز قدر او متالى ليلة القدر
ز نور او براتى ليلة البدر
سواد طره اش خجلت ده حور
بياض غره اش نور على نور
نسيمش جعد سنبل شانه كرده
هوايش اشك شبنم دانه كرده
١٠٣
بمسمار ثوابت رخ سيار
به بسته در جهان درهاى ادبار
طرب راون سخن خندان امولب
كر يزان روز محنت زو شباشب