فإن قلت فلِمَ جُعِل المعراج ليلاً ولم يجعل نهاراً؟ حتى يكون إشكال وطعن.
قلت : ليظهر تصديق من صدق وتكذيب من كذب.
وأيضاً أن الليل محل الخلوة بالحبيب فالليل حظ الفراش والوصال والنهار حظ اللباس والفراق والليل مظهر البطون والنهار مظهر الظهور والليل راحة والراحة من الجنة والنهار تعب والتعب من النار وكان الإسراء قبل الهجرة بسنة، يعني :(درسال دوازدهم از مبعث بوده) ﴿مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ أصح الروايات على أن الإسراء كان من بيت أم هانىء بنت أبي طالب وكان بيتها من الحرم والحرم كله مسجد.
قالوا حدود الحرم من جهة المدينة على ثلاثة أميال ومن طريق العراق على سبعة أميال ومن طريق الجعرانة على تسعة أميال ومن طريق الطائف على سبعة أميال ومن طريق جدة على عشرة أميال والمواقيت الخمسة التي وقتها النبي صلى الله عليه وسلّم وعينها للإحرام فناء للحرم وهو فناء للمسجد الحرام وهو فناء للبيت شرفه الله تعالى فالبيت إشارة إلى الذات الإلهية والمسجد الحرام إلى الصفات والحرم إلى الأفعال وخارج المواقيت إلى الآثار ومن قصد مكة سواء كان للزيارة وغيرها لا يحل له التجاوز من هذه الأفنية غير محرم تعظيماً لها وقس عليه دخول المساجد وحضور المشايخ أصحاب القلوب للصلاة والزيارة فإنه لا بد من أدب الظاهر والباطن في كل منهما.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٠٢
ـ ذكروا ـ أن الحجر الأسود أخرج من الجنة وله ضوء فكل موضع بلغ ضوءه كان حرماً.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ لما أهبط آدم إلى الأرض خر ساجداً معتذراً فأرسل الله تعالى جبريل بعد أربعين سنة يعلمه بقبول توبته فشكا إلى الله تعالى ما فاته من الطواف بالعرش فأهبط الله له البيت المعمور وكان ياقوتة حمراء فأضاء ما بين المشرق والمغرب فنفرت من ذلك النور الجن والشياطين وفزعوا وتفرقوا في الجو ينظرونه فلما رأوه أي : النور من جانب مكة أقبلوا يريدون الاقتراب إليه فأرسل الله تعالى ملائكته فقاموا حوالي الحرم في مكان الاعلام اليوم ومنعوهم فمن ثمة تسمى الحرم بالحرم.
﴿إِلَى الْمَسْجِدِ الاقْصَا﴾ أي : بيت المقدس وسمي بالأقصى أي : الأبعد لأنه لم يكن حينئذٍ وراءه مسجد فهو أبعد المساجد من مكة وكان بينهما أكثر من مسيرة شهر.
قال بعض العارفين : أشار بالمسجد الحرام إلى مقام القلب المحرم أن يطوف به مشركوا القوى البدنية الحيوانية وترتكب فيه فواحشها وخطاياها وتحجه غير القوى الحيوانية من الصفات البهيمية والسبعية.
وأشار بالمسجد الأقصى إلى مقام الروح الأبعد من العالم الجسماني لشهود تجليات الذات.
قال في "هدية المهديين" : معراج النبي عليه السلام إلى المسجد الأقصى ثابت بالكتاب وهو في اليقظة وبالجسد بإجماع القرن الثاني ثم إلى السماء بالخبر المشهور ثم إلى الجنة أو العرش أو إلى طواف العالم بخبر الواحد انتهى.
قال الكاشفي :(رفتن آن حضرت ازمكه ببيت المقدس بنص قرآن ثابتست ومنكر آن كافر وعروج برآسمانها ووصول بمرتبه قربت بأحاديث صححه مشهوره كه قريبست بحد تواتر ثابت كشث وهركه إنكار آن كند ضال ومبتدع باشد).
١٠٤
شاهد معراج نبي وافرست
وآنكه مقرنيست بدين كافرست
دستكه سلطنت اين وصال
نيست به امزدى خيل خيال
عقل ه داند ه مقامست اين
عشق شناست كه ه دامست اين
﴿الَّذِى بَـارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ (آن مسجدى كه بركت كرديم بركرد او) ببركات الدين والدنيا لأنه مهبط الوحي والملائكة ومتعبد الأنبياء من لدن موسى عليه السلام ومحفوف بالأنهار والأشجار المثمرة فدمشق والأردنّ فلسطين من المدائن التي حوله ﴿لِنُرِيَه مِنْ ءَايَـاتِنَآ﴾ غاية للإسراء وإشارة إلى أن الحكمة في الإسراء به إراءة آيات مخصوصة بذاته تعالى التي ما شرف بإراءتها أحداً من الأولين والآخرين إلا سيد المرسلين وخاتم النبيين فإنه تبارك وتعالى أرى خليله عليه السلام وهو أعز الخلق عليه بعد حبيبه الملكوت كما قال :﴿وَكَذَالِكَ نُرِى إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ (الأنعام : ٧٥) وأرى حبيبه آيات ربوبيته الكبرى كما قال :﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ ءَايَـاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ (النجم : ١٨) ليكون من المحبين المحبوبين فمن تبعضية لأن ما أراه الله تعالى في تلك الليلة إنما هو بعض آياته العظمى وإضافة الآيات إلى نفسه على سبيل التعظيم لها لأن المضاف إلى العظيم عظيم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٠٢