وسقط الاعتراض بأن الله تعالى أرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض وأرى نبينا عليه السلام بعض آياته فيلزم أن يكون معراج إبراهيم أفضل.
وحاصل الجواب أنه يجوز أن يكون بعض الآيات المضافة إلى الله تعالى أعظم وأشرف من ملكوت السموات والأرض كلها كما قال تعالى :﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ ءَايَـاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ (النجم : ١٨)، قالوا في التفاسير هي ذهابه في بعض الليل مسيرة شهر ومشاهدته بيت المقدس وتمثل الأنبياء له ووقوفه على مقاماتهم العلية ونحوها.
قال في :"أسئلة الحكم" أما الآيات الكبرى : فمنها في الآفاق ما ذكره عليه السلام من النجوم والسموات والمعارج العلى والرفرف الأدنى وصرير الأقلام وشهود الألواح وما غشي الله سدرة المنتهى من الأنوار وانتهاء الأرواح والعلوم والأعمال إليها ومقام قاب قوسين من آيات الآفاق.
ومنها آيات الأنفس كما قال سبحانه ﴿سَنُرِيهِمْ ءَايَـاتِنَا فِى الافَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ﴾ وقوله :﴿أَوْ أَدْنَى﴾ (النجم : ٩) من آيات الأنفس وهو مقام المحبة والاختصاص بالهو ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِه مَآ أَوْحَى﴾ (النجم : ١) مقام المسامرة وهو الهوّ غيب الغيب وأيده ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ (النجم : ١١) والفؤاد قلب القلب وللقلب رؤية وللفؤاد رؤية فرؤية القلب يدركها العمى كما قال تعالى :﴿وَلَـاكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ﴾ (الحج : ٤٦) والفؤاد لا يعمى لأنه لا يعرف الكون وماله تعلق إلا بسيده فإن العبد هنا عبد من جميع الوجوه منزه مطلق التنزيه في عبوديته فما نقل عبده من مكان إلى مكان إلا ليريه من آياته التي غابت عنه كأنه تعالى قال : ما أسريت به إلا لرؤية الآيات لا إليّ فإني لا يحدني مكان ولا يقيدني زمان ونسبة الأمكنة والأزمنة إلي نسبة واحدة وأنا الذي وسعني قلب عبدي فكيف أسري به إليّ وأنا عنده ومعه أينما كان نزولاً وعروجاً واستواء ﴿إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ﴾ لأقواله صلى الله عليه وسلّم بلا أذن كما يتكلم من غير آلة الكلام وهو اللسان ويعلم من غير أداة العلم وهو القلب ﴿الْبَصِيرُ﴾ بأفعاله بلا بصر حسبما يؤذن به القصر فيكرمه ويقربه بحسب ذلك.
وفيه إيماء إلى أن الإسراء المذكور ليس إلا لتكرمته ورفع منزلته وإلا فالإحاطة بأقواله وأفعاله حاصلة من غير حاجة
١٠٥
إلى التقريب.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٠٢
وفي "التأويلات" وفي قوله :﴿إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلّم هو السميع الذي قال الله :"كنت له سمعاً فبي يسمع وبي يبصر" فتحقيقه لنريه من آياتنا المخصوصة بجمالنا وجلالنا إنه هو السميع بسمعنا البصير ببصرنا فإنه لا يسمع كلامنا إلا بسمعنا ولا يبصر جمالنا إلا ببصرنا.
ودر مكتب بي نساني رسيد
كويم كه آنجا ه ديد وشنيد
ورق در نوشتند وكم شد سبق
شنيدن بحق بود وديدن بحق
ـ (وتفصيل القصة أنه عليه السلام بات ليلة الاثنين ليلة السابع والعشرين من رجب كما سبق في بيت أم هاني بنت أبي طالب واسمها على الأشهر فاختة أسلمت يوم الفتح وهرب زوجها جبيرة إلى نجران ومات بها على كفره واضطجع عليه السلام هناك بعد أن صلى الركعتين اللتين كان يصليهما وقت العشاء ونام ففرج عن سقف بيتها ونزل جبريل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام ومع كل واحد منهم سبعون ألف ملك وأيقظه جبريل بجناحه كما قال المولى الجامي :
درين شب آن راغ شم بينش
سزاى آفرين از آفرينش
و دولت شد زبد خواهان نهانى
سوى دولت سراى امهانى
به هلوتكيه بر مهد زمين كرد
زمين را مهد جان نازنين كرد
دلش بيدار شمش درشكر خواب
نديده شم بخت اين خواب در خواب
در آمد ناكهان ناموس اكبر
سبك رو ترازين طاوس اخضر
برو ماليد ركاى خواجه بر خيز
كه امشب خوابت آمد دولت انكيز
برون بر يكزمان زين خوابكه رخت
توبخت عالمي بيخواب به بخت
قال عليه السلام : فقمت إلى جبريل فقلت : أخي جبريل ما لك؟ فقال : يا محمد إن ربي تعالى بعثني إليك أمرني أن آتيه بك في هذه الليلة بكرامة لم يكرم بها أحد قبلك ولا يكرم بها أحد بعدك فإنك تريد أن تكلم ربك وتنظر إليه وترى في هذه الليلة من عجائب ربك وعظمته وقدرته قال عليه السلام : فتوضأت وصليت ركعتين وشق جبريل صدره الشريف من الموضع المنخفض بين الترقوتين إلى أسفل بطنه أي : أشار إلى ذلك فانشق فلم يكن الشق بآلة ولم يسل دم ولم يجد له عليه السلام ألماً لأنه من خرق العادة وظهور المعجزات فجاء بطست من ماء زمزم واستخرج قلبه عليه السلام فغسل ثلاث مرات ونزع ما كان فيه من أذى.
وفيه إشارة إلى فضل زمزم على المياه كلها جنانية أو غيرها ثم جاء بطست من ذهب ممتلىء إيماناً وحكمة فافرغ فيه لأن المعاني تمثل بالأجسام كالعلم بصورة اللبن ووضعت فيه السكنة ثم أعاد القلب إلى مكانه والتأم صدره الشريف فكانوا يرون أثراً كأثر المخيط في صدره وهو أثر مرور يد جبريل.
ووقع له عليه السلام شق الصدر ثلاث مرات :