وذلك أن الحسن والملاحة من عالم الصفات ولم يحصل لغيره عليه السلام ما حصل له من تجليات الصفات على الكمال صورة ومعنى إذ هو أفضل من الكل فالتجلي له أكمل وهو اللائح بالبال قال عليه السلام :"فرحب بي ودعا لي بخير قال في "تفسير المناسبات" أما لقاؤه ليوسف عليه السلام في السماء فإنه يؤذن بحالة ثالثة تشبه حالة يوسف عليه السلام وذلك أن يوسف ظفر بإخوته بعدما أخرجوه من بين ظهرانيهم فصفح عنهم وقال :﴿لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾ (يوسف : ٧٢) الآية وكذلك نبينا عليه السلام أسر يوم بدر جملة من أقاربه الذين أخرجوه فيهم عمه العباس وابن عمه عقيل فمنهم من أطلقه ومنهم من فداه ثم ظهر عليهم بعد ذلك عام الفتح فجمعهم فقال لهم :"أقول ما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم" "ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل قيل من هذا؟ قال : جبريل قيل : ومن معك قال : محمد قيل : أوقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإدريس عليه السلام فرحب بي ودعا لي بخير" قال الله تعالى في حقه :"ورفعناه مكاناً علياً" أي : السماء الرابعة حال حياته على أحد الوجوه وكونه في الجنة كما في بعض الروايات لا ينافي وجوده في السماء المذكورة تلك الليلة.
قيل : رفع إلى السماء من مصر بعد أن خرج منها ودار الأرض كلها وعاد إليها ودعا الخلائق إلى الله تعالى باثنتين وسبعين لغة خاطب كل قوم بلغتهم
١١٦
وعلمهم العلوم وهو أول من استخرج علم النجوم أي : علم الحوادث التي تكون في الأرض باقتران الكواكب وهو علم صحيح لا يخطىء في نفسه وإنما الناظر في ذلك هو الذي يخطىء لعدم استيفائه النظر.
قال في "المناسبات" ثم لقاؤه لإدريس عليه السلام في السماء الرابعة وهو المكان الذي سماه الله مكاناً علياً وإدريس أول من آتاه الله الخط بالقلم فكان ذلك موذناً بحالة رابعة وهو شأنه صلى الله عليه وسلّم حتى أخاف الملوك وكتب إليهم يدعوهم إلى طاعته حتى قال أبو سفيان وهو عند ملك الروم حين جاء كتاب النبي عليه السلام ورأى ما رأى من خوف هرقل لقد أمر أمر ابن أبي كبشه حين أصبح يخافه ملك ابن أبي الأصفر وكتب بالقلم إلى جميع ملوك الأرض فمنهم من اتبعه على دينه كالنجاشي وملك عمان ومنهم من هادن وأهدى إليه وأتحفه المقوقس ومنهم من تعصى عليه فاظفره الله به وهذا مقام عليّ وخط بالقلم على نحو ما أوتي إدريس عليه السلام :"ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل قيل من هذا؟ قال : جبريل قيل : ومن معك؟ قال : محمد قيل : أوقد بعث إليه؟ قال : نعم ففتح لنا فإذا أنا بهارون عليه السلام ونصف لحيته بيضاء ونصف لحيته سوداء تكاد تضرب إلى سرته من طولها وحوله قوم من بني إسرائيل وهو يقص عليهم فرحب بي ودعا لي بخير" وكان هارون محبباً في قومه لأنه كان ألين إليهم من موسى لأن موسى كان فيه بعض الشدة عليهم ومن ثمة كان له منهم بعض الأذى.
قال في "المناسبات" : لقاؤه عليه السلام في السماء الخامسة لهارون المحبب في قومه يوذن بحب قريش وجميع العرب له بعد بغضهم فيه.
قال وهب بن منبه : وجدت في أحد وسبعين كتاباً أن الله تعالى لم يعط جميع الناس من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقله صلى الله عليه وسلّم إلا كحبة بين رمال الدنيا.
ومما يتفرع على العقل إقناء الفضائل واجتناب الرذائل وإصابة الرأي وجودة الفطنة وحسن السياسة والتدبير وقد بلغ من ذلك صلى الله عليه وسلّم الغاية التي لم يبلغها بشر سواه ومما لا يكاد يقضي منه العجب حسن تدبيره صلى الله عليه وسلّم للعرب الذين هم كالوحوش الشاردة كيف ساسهم واحتمل جفاءهم وصبر على أذاهم إلى أن انقادوا إليه واجتمعوا عليه واختاروه على أنفسهم وقاتلوا دون أهلهم وآباءهم وأبناءهم وهجروا في رضاه أوطانهم "ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل قيل : من هذا؟ قال : جبريل قيل : ومن معك؟ قال : محمد قيل : أوقد بعث إليه؟ قال : نعم ففتح لنا فإذا أنا بموسى عليه السلام فرحب بي ودعا لي بخير" وكان موسى رجلاً آدم طوالاً كثير الشعر مع صلابته لو كان عليه قميصان لنفذ الشعر منهما وكان إذا غضب يخرج شعر رأسه من قلنسوته وربما اشتعلت قلنسوته لشدة غضبه ولشدة غضبه لما فر الحجر بثوبه صار يضربه حتى ضربه ست ضربات أو سبعاً مع أنه لا إدراك له ووجه بأنه لما فر صار كالدابة والدابة إذا جمحت فصاحبها يؤديها بالضرب.
يقول الفقير : إنما فر الحجر لأن للجمادات حياة حقانية عند أهل الله تعالى وربما يظهر أثرها في الظاهر فتصير في حكم الاحياء من ذوي الروح وإليه الإشارة بهذه الأبيات "المثنوية" :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٠٢
بادرا بى شم اكر بينش نداد
فرق ون مى كرد اندر قوم عاد
كرنبودى نيل را آن نور ديد
ازه قبطي را زسبطى مى كزيد
١١٧
كرنه كوه وسنك باديدار شد
س را داودرا اويار شد
اين زمين را كرنبودى شم وجان
ازه قارون را فراخوردى نان


الصفحة التالية
Icon