قال عليه السلام :"فلما جاوزت أي عن موسى بكى فقيل له : ما يبكيك؟ قال : أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخل من أمتي" أي بل ومن سائر الأمم لأن أهل الجنة من الأمم مائة وعشرون صفاً هذه الأمة منها ثمانون صفاً وسائر الأمم أربعون.
قال أبن الملك : إنما بكى موسى إشفاقاً على أمته حيث قصر عددها عن عدد أمة محمد لا حسداً عليه لأنه لا يليق به وأما قوله أن غلاماً بعث بعدي فلم يكن على سبيل التحقير بل على معنى تعظيم المنةتعالى لأن محمداً مع كونه غير طويل العمر في عبادة ربه خصه بهذه الفضيلة.
يقول الفقير : بكاء موسى عليه السلام هو المناسب لمقامه لأنه كان له غيرة غالبة ولذا لما مر عليه السلام عليه وهو يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر سمع منه وهو يقول برفع صوته أكرمته فضلته يخاطب ربه وعاتبه ادلالاً وهو لا يستلزم الحسد والتحقير لأن كمل أفراد الأمة مطهرون عن مثل هذا فكيف الأنبياء خصوصاً أولوا العزم منهم ومن البين أن أهل الجنة يرضون بما أوتوا من الدرجات على حسب استعداداتهم فلا يتمنى بعضهم مقام بعض لكونه خارجاً عن الحكمة فكذا الأنبياء الأولياء في مقاماتهم المعنوية وإلا لما استراحوا وهو مخل برتبتهم.
قال في "المناسبات" : ولقاؤه في السماء السادسة لموسى عليه السلام يوذن بحالة تشبه حالة موسى عليه السلام حين أمر بغزوة الشام وظهر على الجبابرة الذين كانوا فيها وادخل بني إسرائيل البلد الذي خرجوا منه بعد إهلاك عدوهم وكذلك غزا رسول الله صلى الله عليه وسلّم تبوك من أرض الشام وظهر على صاحب دومة الجندل حتى صالحه على الجزية بعد أن أتى به أسيراً وافتتح مكة ودخل أصحابه البلد الذي خرجوا منه "ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل قيل : من هذا؟ قال : جبريل قيل : ومن معك؟ قال : محمد قيل : أوقد بعث إليه قال : نعم ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام قال : هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح".
قال الإمام التوربشتي أمر النبي عليه السلام بالتسليم على الأنبياء وإن كان أفضل لأنه كان عابراً عليهم وكان في حكم القائم وهم في حكم القعود والقائم يسلم على القاعد والمرئى كان أرواح الأنبياء مشكلة بصورهم التي كانوا عليها إلا عيسى فإنه مرئى بشخصه قال عليه السلام :"وإذا إبراهيم رجل أشمط جالس عند باب الجنة" أي في جهتها وإلا فالجنة فوق السماء السابعة "على كرسي مسنداً ظهره إلى البيت المعمور" وهو من عقيق محاذ للكعبة بحيث لو سقط سقط عليها "يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون الأنفاس الإنسانية يدخلون من الباب الواحد ويخرجون من الباب الآخر" فالدخول من باب مطالع الكواكب والخروج من باب مغاربها قال عليه السلام :"وإذا أنا بأمتي شطرين شطر عليهم ثياب بيض كأنها القراطيس وشطر عليهم ثياب رمدة فدخلت البيت المعمور ودخل معي الذين عليهم الثياب البيض وحجب الآخرون الذين عليهم الثياب الرمدة فصليت أنا ومن معي في البيت المعمور" أي ركعتين والظاهر أنه ليس المراد بالشطر النصف
١١٨
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٠٢
حتى يكون العصاة من أمته بقدر الطائعين منهم.
يقول الفقير المراد بالشطرين الفرقتان والفرقة التي عليهم ثياب بيض طائفة بالنسبة إلى الذين عليهم ثياب رمدة لأن الحكمة الإلهية اقتضت كون أهل العصيان والنفس أكثر من أهل الطاعة والتزكية إذ المقصود ظهور الإنسان الكامل وهو حاصل مع أن الواحد على الحق هو السواد الأعظم فيكون أهل الطاعة كالشطر بالنسبة إلى أهل العصيان نسأل الله تعالى أن يدخلنا بيت القلب مع الداخلين ويزيل أوساخ وجوداتنا بحرمة النبي الأمين.
قال السهيلي قد ثبت في الصحيح أن أطفال المؤمنين والكافرين في كفالة سيدنا إبراهيم عليه السلام وأن رسول الله قال لجبريل حين رآهم مع إبراهيم "من هؤلاء يا جبريل؟ قال : هؤلاء أولاد المؤمنين الذين يموتون صغاراً" قال له :"وأولاد الكافرين" قال : وأولاد الكافرين.
وقد روي في أطفال الكافرين أيضاً "أنهم خدم لأهل الجنة".
وجاء أن إبراهيم عليه السلام قال لرسول الله :"اقرىء أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأن غراسها سبحان الله والحمدولا إله إلا الله والله أكبر" كما قال المولى الجامي :
يادكن آنكه درشب اسرا
يا حبيب خدا خليل خدا
كفت كووى ازمن اى رسول كرام
امت خويش را زبعد سلام
كه بود اك وخوش زمين بهشت
ليك آنجا كسى درخت نكشت
خاك او اك وطيب افتاده
ليك هست از درختها ساده
غرس أشجار ان بسعى جميل
بسمله حمد له است س تهليل
هست تكبير نيز ازان اشجار
خوش كسى كش جزين نيايد كار
باغ جنات تحتها الأنهار
سبز وخرم شود ازان اشجار
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٠٢


الصفحة التالية
Icon