قال عليه السلام :"واستقبلتني جارية لعساء وقد أعجبتني فقلت لها : يا جارية أنت لمن؟ قالت : لزيد بن حارثة" واللعس لون الشفة إذا كان تضرب إلى السواد قليلاً وذلك مستملح.
يقول الفقير زيد هذا هو الذي تبناه رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكانت زينب تحت نكاحه فطلقها ليتزوجها رسول الله فلما آثر النبي عليه السلام بها أبدل الله مكانها زوجاً له من الحور مليحة جداً وجازاه بها فإن لكل فناء وترك مشروع أثراً معنوياً فما انتقص شيء في الظاهر إلا وقد انتقل في الباطن والآخرة باطن بالنسبة إلى الدنيا فمن ترك حظه فيها وجده في الآخرة أعلى منه وأوفر.
ورأى عليه السلام في السماء السابعة فوجاً من الملائكة نصف أبدانهم من النار ونصفها من الثلج فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفىء النار وهم يقولون : اللهم كما ألفت بين النار والثلج فألف بين قلوب عبادك المؤمنين حمله بعض الأكابر على معنى أن نصف أجزائه ثلج ونصف أجزائه نار فامتزجا وحصل بينهما مزاج واحد والظاهر أن الأول أدل على القدرة فإن اجتماع الأضداد بالمعنى الذي ذكره موجود في أكثر المركبات.
قال في "المناسبات" : ثم لقاؤه في السماء السابعة إبراهيم عليه السلام لحكمتين إحداهما أنه رآه عند البيت المعمور مسنداً ظهره إليه والبيت المعمور حيال الكعبة
١١٩
أي بازائها ومقابلتها وإليه تحج الملائكة كما أن إبراهيم هو الذي بنى الكعبة وأذن في الناس بالحج والحكمة الثانية أن آخر أحوال النبي عليه السلام حجه إلى البيت الحرام وحج معه ذلك العام نحو من سبعين ألفاً من المسلمين ورؤية إبراهيم عند أهل التأويل توذن بالحج لأنه الداعي إليه والرافع لقواعد الكعبة المحجوجة قال صلى الله عليه وسلّم "ثم ذهب بي" أي جبريل "إلى سدرة المنتهى" وهي شجرة فوق السماء السابعة في أقصى الجنة إليها ينتهي الملائكة بأعمال أهل الأرض من السعداء وإليها تنزل الأحكام العرشية والأنوار الرحمانية "وإذا أوراقها كآذان الفيلة" جمع الفيل أي في الشكل وهو الاستدارة لا في السعة إذ الواحدة منها تظل الخلق كما في بعض الروايات "وثمرها كالقلال" جمع قلة وهي الجرة العظيمة وهذه الشجرة هي الحد البرزخي بين الدارين فأغصانها نعيم لأهل الجنة وأصولها زقوم لأهل النار ولافنانها حنين بأنواع التسبيحات والتحميدات والترجيعات عجيبة الألحان تطرب لها الأرواح وتظهر عليها الأحوال وأم فيها رسول الله ملائكة السموات في الوتر فكان إمام الأنبياء في بيت المقدس وإمام الملائكة عند سدرة المنتهى فظهر بذلك فضله على أهل الأرض والسماء ويخرج من أصل تلك الشجرة أربعة أنهار نهران باطنان أي يبطنان ويغيبان في الجنة بعد خروجهما من أصل تلك الشجرة وهما الكوثر ونهر الرحمة ونهران ظاهران أي يستمران ظاهرين بعد خروجهما من أصل تلك الشجرة فيجاوزان الجنة وهما النيل نهر مصر والفرات نهر الكوفة.
قال بعضهم لولا دخول بحر النيل في الملح الذي يقال له البحر الأخضر قبل أن يصل إلى بحيرة الزنج لما قدر أحد على شربه لشدة حلاوته ومر الفرات في بعض السنين فوجد فيه رمان مثل البعير فيقال أنه رمان الجنة.
يقول الفقير لعله من البساتين التي يقال لها جنان الأرض إذ سقوط الثمار من أماكنها من الفساد غالباً وليس لثمار الجنة ذلك اللهم إلا أن يقال وجود ذلك الرمان في الفرات على تقدير أن يكون من رمان الجنة إنما هو ليكون آية لذوي الاستبصار ودخل عليه السلام الجنة فإذا فيها جنابذ أي قباب الدرّ وإذا ترابها المسك ورمانها كالدلاء وطيرها كالبخت وانتهى إلى الكوثر فإذا فيه آنية الذهب والفضة فشرب منه فإذا هو أحلى من العسل وأشد رائحة من المسك وفي الحديث "ما في الدنيا ثمرة حلوة ولا مرة إلا وهي في الجنة حتى الحنظل والذي نفس محمد بيده لا يقطف رجل ثمرة من الجنة فتصل إلى فيه حتى يبدل الله مكانها خيراً منها" وهذا القسم يرشد إلى أن ثمرة الجنة كلها حلوة تؤكل وأنها تكون على صورة ثمرة الدنيا المرة وغشى السدرة ما غشى من نور الحضرة الإلهية فصار لها من الحسن غير تلك الحالة التي كانت عليها فما أحد من خلق يستطيع أن ينعتها من حسنها لأن رؤية الحسن تدهش الرائي ورأى عليه السلام جبرائيل عند تلك السدرة على الصورة التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح كل جناح منها قد سد الأفق أي ما بين المشرق والمغرب يتناثر من أجنحته الدر والياقوت.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٠٢
ـ ويروى ـ أن جبريل لما وصل إلى السدرة التي هي مقامه تأخر فلم يتجاوز فقال عليه السلام :"أفي مثل هذا المقام يترك الخليل خليله" فقال : لو تجاوزت لأحرقت بالنور.
وفي رواية لو دنوت أنملة لاحرقت، قال الشيخ سعدى قدس سره :
١٢٠
نان كرم درنيه قربت براند
كه درسدره جبريل ازوباز ماند
بدو كفت سالار بيت الحرام
كه اى حامل وحى برتر خرام
و در دوستى مخلصم يا فتى
غنانم ز صحبت را تافتى
بكفتا فرا تر مجالم نماند
بماندم كه نيروى بالم نماند
اكريك سرموى بر تر رم