﴿مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَه عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ (الأنعام : ١٦٠) والصلاة إنما تحصل بتوجه القلب والعمل الواحد في مرتبة القلب يقابل العشرة وقال :"من همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشراً ومن همّ بسيئة فلم يعملها لم يكتب شيء فإن عملها كتبت سيئة واحدة"(١).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما كانت الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبع مرات وغسل البول من الثوب سبع مرات ولم يزل صلى الله عليه وسلّم يسأل ربه حتى جعلت الصلاة خمساً وغسل الجنابة مرة واحدة وغسل البول من الثوب مرة وفي الحديث "أكثروا من الصلاة على موسى فما رأيت أحداً من الأنبياء أحوط على أمتي منه" وجاء "كان موسى أشدهم عليّ حين مررت به وخيرهم عليّ حين رجعت فنعم الشفيع كان لكم موسى" وذلك فإنه كما تقدم لما جاوزه النبي عند الصعود بكى فنودي ما يبكيك؟ فقال : رب هذا غلام أي لأنه صلى الله عليه وسلّم كان حديث السن بالنسبة إلى موسى بعثته بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخل من أمتي، فإن قلت هذا وقوع النسخ قبل البلاغ وقد اتفق أهل السنة والمعتزلة على منعه، قلت : وقع بعد البلاغ بالنسبة إلى النبي عليه السلام لأنه كلف بذلك ثم نسخ فإذا نسخ في حقه نسخ في حق أمته لأن الأصل أن ما ثبت في حق كل نبي ثبت في حق أمته إلا أن يقوم الدليل على الخصوصية.
وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "رأيت ليلة أسري بي إلى السماء تحت العرش سبعين مدينة كل مدينة مثل مدائنكم هذه سبعين مرة مملوءة من الملائكة يسبحون الله ويقدسونه ويقولون في تسبيحهم اللهم اغفر لمن شهد الجمعة" أي صلاتها
١٢٣
"اللهم اغفر لمن اغتسل يوم الجمعة" أي لصلاتها "ورأيت ليلة أسري بي مكتوباً على باب الجنة الصدقة بعشر أمثلها والقرض بثمانية عشر فقلت لجبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة قال : لأن السائل يسأل وعنده شيء والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة" وبيان كون درهم القرض بثمانية عشر درهماً أن درهم القرض بدرهمين من دراهم الصدقة كما جاء في بعض الروايات ودرهم الصدقة بعشرة تصير الجملة عشرين ودرهم القرض يرجع للمقرض بدله بدرهمين من عشرين يتخلف ثمانية عشر "ورأيت رضوان خازن الجنة فلما رآني فرح بي ورحب بي وأدخلني الجنة وأراني فيها من العجائب ما وعد الله فيها لأوليائه مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ورأيت فيها درجات أصحابي ورأيت فيها الأنهار والعيون وسمعت فيها صوتاً وهو يقول : آمنا برب العالمين فقلت : ما هذا الصوت يا رضوان؟ قال : هم سحرة فرعون وأزواجهم وسمعت آخر وهو يقول : لبيك اللهم فقلت : من هو قال : أرواح الحجاج وسمعت التكبير فقال هؤلاء الغزاة وسمعت التسبيح فقال هؤلاء الأنبياء ورأيت قصور الصالحين وعرضت عليّ النار وإن كانت في الأرض السابعة فإذا على بابها مكتوب وإن جهنم لموعدهم أجميعن" قال عليه السلام :"وأبصرت ملكاً لم يضحك في وجهي فقلت : يا أخي جبريل من هذا؟ قال : مالك خازن النار لم يضحك منذ خلقه الله ولو ضحك إلى أحد لضحك إليك فقال له جبريل : يا مالك هذا محمد فسلم عليه فسلم عليّ وهنأني بما صرت إليه من الكرامة والشرف" وإنما بدأ خازن النار بالسلام عليه صلى الله عليه وسلّم ليزيل ما استشعر من الخوف منه ويشير إلى أنه ومن اتبعه من الصالحين سالمون من النار ناجون قال عليه السلام :"فسألته أن يعرض عليّ النار بدركاتها فعرضها عليّ بما فيها وإذا فيها غضب الله" أي نقمته "لو طرحت فيها الحجارة والحديد لأكلتها وإذا قوم يأكلون الجيف فقلت : من هؤلاء يا جبريل؟ فقال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ورأيت قوماً تنزع ألسنتهم من أقفيتهم فقلت : من هم؟ فقال : هم الذين يحلفون بالله كاذبين ورأيت جماعة من النساء علقن بشعورهن فقلت : من هن؟ قال : هن اللاتي لا يستترن من غير محارمهن ورأيت جماعة منهن لباسهن من القطران فقلت : من هن؟ قال : نائحات" جمع نائحة وهي الباكية على الميت مع عد أخلاقه ومحاسنه.
ودل حديث المعراج على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن لأن الإنسان إذا علم ثواباً مخلوقاً اجتهد في العبادة ليحصل ذلك الثواب وإذا علم عقاباً مخلوقاً اجتهد في اجتناب المعاصي لئلا يصيبه ذلك العقاب وقد صح أن الجنان قيعان وعمارتها بالأعمال كما دل عليه حديث الغراس فيما سبق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٠٢
واعلم أنه عليه السلام أسري به من مكة إلى بيت
١٢٤