التي هي الصبح لم تكن فرضت كما تقدم "وأتيت فيما بين ذلك بيت المقدس" وأخبرهم عما رأى في السماء من العجائب وأنه لقي الأنبياء وبلغ البيت المعمور وسدرة المنتهى وجاء أنه لما دخل المسجد الحرام وعرف أن الناس يكذبونه وما أحب أن يكتم ما هو دليل على قدرة الله تعالى وما هو دليل على علو مقامه الباعث على اتباعه قعد حزيناً فمر به عدو الله أبو جهل فجاء حتى جلس إليه عليه السلام فقال كالمستهزىء : هل كان من شيء؟ قال :"نعم أسري بي الليلة" قال : إلى أين؟ قال :"إلى بيت المقدس" قال : ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال :"نعم" قال : أرأيت إن دعوت قومك تحدثهم ما حدثتني؟ قال :"نعم" قال : يا معشر كعب بن لؤي فانفضت إليه المجالس وجاءوا حتى جلسوا إليهما فقال : حدث قومك بما حدثتني به فقال :"إني أسري بي" قالوا : إلى أين؟ قال :"إلى بيت المقدس فنشر لي الأنبياء وصليت بهم وكلمتهم" فقال أبو جهل كالمستهزىء : صفهم لنا فقال عليه السلام :"أما عيسى ففوق الربعة دون الطويل" أي لا طويل ولا قصير "عريض الصدر جاعد الشعر" أي في شعره "تثنى وتكسر تعلوه صهبة" أي يعلو شعره شقرة "ظاهر الدم" أي يعلوه حمرة "كأنما خرج من ديماس" أي حمام وأصله الكنّ الذي يخرج منه الإنسان وهو عريان وأصله الظلمة يقال ليل دامس والحمام لفظ عربي.
وأول واضع له الجن وضعته لسليمان عليه السلام وقيل : الواضع بقراط الحكيم وقيل : شخص سابق على بقراط استفاده من رجل كان به تعقيد العصب فوقع في ماء حار في جب فسكن فصار يستعمله حتى برىء وفي الحديث "اتقوا بيتاً يقال له الحمام فمن دخله فليستتر" ولم يدخل عليه السلام الحمام ولم يكن ذلك في بلاد الحجاز وإنما كان في أرض العجم والشام "وأما موسى فضحم آدم" أي أسمر ومن ثمة كان خروج يده بيضاء مخالفاً لونها لسائر لون جسده آية "طويل كأنه من رجال شنوءة" وهي طائفة من اليمن أي ينسبون إلى سنوءة وهو عبد المطلب بن كعب من أولاد الأزد معروفون بالطول "كثير الشعر غائر العينين متراكم الأسنان متقلص الشفتين خارج اللثة" وهو اللحم الذي خارج الأسنان عابس "وأما إبراهيم فوالله إنه لأشبه الناس بي خلقاً وخلقاً فضجوا" أي صاح قريش وعظموا ذلك وصار بعضهم يصفق وبعضهم يضع يده على رأسه متعجباً ومنكراً قالوا : نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس مصعداً شهراً ومنحدراً شهراً أتزعم أنك أتيته في ليلة واحدة واللات والعزى لا نصدقك وارتد ناس ممن كان آمن به وسعى رجال إلى أبي بكر رضي الله عنه أي أسرع أو مشى فقال : إن كان قد قال ذلك فلقد صدق قالوا : أتصدقه على ذلك؟ قال : إني أصدقه على أبعد من ذلك أي إن ذهب إلى بيت المقدس في ليلة واحدة أصدقه فإني أصدقه في خبر السماء في غدوة وهي ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس وروحة وهي اسم للوقت من الزوال إلى الليل والمراد هنا أنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه فهذا أي مجيىء الخبر له من السماء بواسطة الملك أبعد مما تتعجبون منه فسمي الصديق وهو الكثير الصدق فهو للمبالغة وتسمية أبي بكر بسبب هذا الجواب الصدق بهذا الاسم للمبالغة في كيفية الصدق فإنه صدق كامل في مثل هذا المقام الذي كذب فيه أكثر الناس وكان علي رضي الله عنه يحلف بالله أن الله أنزل اسم أبي بكر من السماء الصديق أي فهي تسمية الله بالذات لا تسمية الخلق وكان فيهم من يعرف بيت المقدس
١٢٦
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٠٢
فاستنعتوه المسجد أي قالوا : يا محمد صف لنا بيت المقدس كم له من باب أرادوا بذلك إظهار كذبه عليه السلام لأنهم عرفوا أنه عليه السلام لم يره قال :"فكربت كرباً شديداً لم أكرب مثله قط لأنهم سألوني عن أشياء لم أثبتها وكنت دخلته ليلاً وخرجت منه ليلاً فقمت في الحجر فجلي الله لي بيت المقدس" أي كشفه لي أي بوجود صورته ومثاله في جناح جبريل أو برفع الحجاب بينه وبين بيت المقدس حتى رآه عليه السلام وهو في مكانه إذ كان يصل بصره إلى حيث يصل إليه قلبه أو بإعدامه هناك وإيجاده في مكة طرفة عين بحيث يتصل بعدمه وجوده على ما هو شأن الخلق الجديد ومنه زيارة الكعبة لبعض الأولياء كما قال في "المثنوي" :
هرنفس نو ميشود دنيا وما
بى خبر ارنوشدن اندر بقا
عمر همون جوى نونو مى رسد
مستمرى مى نمايد درجسد
آن زتيزى مستمر شكل آمده است
ون شرركس تيز جنبانى بدست
شاخ آتس را بجنبانى بساز
در نظر آتش نمايد بس دراز
اين درازى مدت ازتيزى صنع
مى نمايد سرعت انكيزى صنع


الصفحة التالية
Icon