قال :"فطفقت" أي : جعلت أخبرهم عن آياته أي : علاماته وأنا أنظر إليه.
قال في "المواهب" ولم يسألوه عما رأى في السماء لأنه لا عهد لهم بذلك فقالوا : أما لنعت فقد أصاب فقالوا : ما آية ذلك يا محمد؟ أي ما العلامة الدالة على هذا الذي أخبرت به فإنا لم نسمع بمثل هذا قط أي : هل رأيت في مسراك وطريقك ما نستدل بوجوده على صدقك أي لأن وصفك لبيت المقدس يحتمل أن تكون حفظته عمن ذهب إليه فقال عليه السلام :"آية ذلك أني مررت بعير بني فلان بوادي كذا" أي في الروحاء وهو محل قريب من المدينة أي بينه وبين المدينة ليلتان "قد أضلوا ناقة لهم" أي وأنا متوجه وذاهب "وانتهيت إلى رحالهم وإذا قدح ماء فشربت منه" فاسألوهم عن ذلك وشرب الماء للغير جائز لأنه كان عند العرب كاللبن مما يباح لكل مجتاز من أبناء السبيل قالوا : فأخبرنا عن عيرنا قال :"مررت بها في التنعيم" وهو محل قريب من مكة أي وأنا راجع إلى مكة فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها "وأنها تقدم مع طلوع الشمس يتقدمها جمل أورق" وهو ما بياضه إلى سواد "عليه غرارتان إحداهما سوداء والأخرى برقاء" أي فيها بياض وسواد أي جوالق مخطط ببياض فابتدر القوم الثنية أي الجبل فقال قائل منهم هذه والله الشمس قد أشرقت فقال آخر هذه والله العير قد أقبلت يتقدمها جمل أورق كما قال محمد عليه الغرارتان فتاب المرتدون وأصر المشركون وقالوا إنه ساحر.
وجاء في بعض الروايات أن الشمس حبست له عليه السلام عن الطلوع حتى قدمت تلك العير وحبس الشمس وقوفها عن السير أي عن الحركة بالكلية وقيل بطؤ حركتها وقيل ردها إلى ورائها.
فإن قيل حبسها ورجوعها مشكل لأنها لو تخلفت أو ردت لاختلت الأفلاك وفسد النظام.
قلنا : حبسها وردها من باب المعجزات ولا مجال للقياس في خرق العادات.
وقد وقع حبس الشمس لبعض الأنبياء كداود وسليمان ويوشع وموسى عليهم السلام.
وأما عود الشمس بعد غروبها فقد وقع له صلى الله عليه وسلّم في خيبر فعن أسماء بنت عميش رضي الله تعالى عنها قالت : كان عليه السلام يوحى إليه ورأسه الشريفة في حجر علي
١٢٧
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٠٢
رضي الله عنه ولم يسر عنه حتى غربت الشمس وعلي لم يصل العصر فقال له رسول الله :"أصليت العصر" قال : لا فقال عليه السلام :"اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فأردد عليه الشمس" قالت أسماء فرأيتها طلعت بعدما غربت وهو من أجل أعلام النبوة فليحفظ.
وذكر أنه وقع لبعض الوعاظ ببغداد كان يعظ بعد العصر ثم أخذ في ذكر فضائل آل البيت فجاءت سحابة غطت الشمس فظن وظن الناس الحاضرون عنده أن الشمس غابت فأرادوا الانصراف فأشار إليهم أن لا يتحركوا ثم أدار وجهه إلى ناحية المغرب وقال :
لا تغربي يا شمس حتى ينتهي
مدحي لآل المصطفى ولنجله
إن كان للمولى وقوفك فليكن
هذا الوقوف لولده ولنسله
فطلعت الشمس فلا يحصى ما رمى عليه من الحلى والثياب وهو من الاتفاقات الغريبة كما حكي أن بعض الناس كان يهوى شاباً يلقب ببدر الدين فاتفق أنه توفي ليلة البدر فلما أقبل الليل وتكمل البدر لم يتمالك محبة رؤيته من شدة الحزن وأنشد يخاطب البدر :
شقيقك غيب في لحده
وتطلع يابدر من بعده
فهلا خسفت وكان الخسوف
لباس الحداد على فقده
فخسف القمر من ساعته فانظر إلى صدق المحبة وتأثيرها في القمر وصدق من قال أن المحبة مغناطيس القلوب، قال الكمال الخجندي :
بشم اهل نظركم بود زروانه
دلى كه سوخته آتش محبت نيست
اللهم اجعلنا من أهل المحبة والوداد آمين وحين زالت الشمس من اليوم الذي يلي ليلة المعراج نزل جبريل وأم بالنبي عليه السلام ليعلمه أوقات الصلوات وهيئتها وأعداد ركعاتها ثم صيح بأصحابه "الصلاة جامعة" لأن الإقامة المعروفة للصلاة لم تشرع إلا بالمدينة فاجتمعوا فصلى النبي عليه السلام بالناس فسميت تلك الصلاة صلاة الظهر لأنها فعلت عند قيام الظهيرة أي شدة الحر أو عند نهاية ارتفاع الشمس فصلاته عليه السلام بالناس كانت بعد صلاته مع جبريل وأمه جبريل يومين يوماً في أول الوقت ويوماً في آخره وكان ذلك عند باب الكعبة مستقبلاً لصخرة الله ثم التفت جبريل وقال : يا محمد هذا وقتك ووقت الأنبياء من قبلك والوقت ما بين هذين الوقتين وإنما لم تقع البداءة بالصبح مع أنها أول صلاة بعد ليلة الإسراء لأن الإتيان بها يتوقف على بيان الإتيان بالكيفية أي على بيان علم كيفيتها المعلق عليه الوجوب كأنه قيل : أوجبت حيث ما تبين كيفيته في وقته والصبح لم تبين كيفيتها في وقتها فلم تجب.
فإن قيل قول جبريل هذا وقتك ووقت الأنبياء من قبلك يقتضي أن هذه الصلوات كانت مشروعة لكل واحد من الأنبياء قبله وليس كذلك لأنها من خصائص هذه الأمة.
قلنا معناه أن وقتك هذا المحدود الطرفين مثل وقت الأنبياء قبلك فإنه كان محدود الطرفين أو أن بعضهم صلى الفجر وبعضهم ما يليها وهو لا ينافي كون المجموع على هذه الكيفية من خصائص هذه الأمة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٠٢