وفي "نصاب الاحتساب" : من لم يستر الركبة ينكر عليه برفق لأن في كونها عورة اختلافاً مشهوراً ومن لم يستر الفخذ يعنف عليه ولا يضرب لأن في كونها عورة خلاف بعض أهل الحديث.
ومن لم يستر السوءة يؤدب إذ لا خلاف في كونها عورة عن كراهية الهداية انتهى.
ومثل الرجل الأمة وبالأولى بطنها وظهرها لأنه موضع مشتهى والمكاتبة وأم الولد والمدبرة كالأمة وجميع الحرة عورة إلا وجهها وكفيها والصحيح عنده أن قدميها عورة خارج الصلاة لا في الصلاة وقال مالك عورة الرجل فرجاه وفخذاه والأمة مثله وكذا المدبرة والمعتقة إلى أجل والحرة كلها عورة إلا وجهها ويديها ويستحب عنده لأم الولد أن تستر من جسدها ما يجب على الحرة ستره والمكاتبة مثلها وقال الشافعي وأحمد : عورة الرجل ما بين السرة والركبة وليست الركبة من العورة وكذا الأمة والمكاتبة وأم الولد والمدبرة والمعتق بعضها والحرة كلها عورة سوى الوجه والكفين عند الشافعي وعند أحمد سوى الوجه فقط على الصحيح وأما سرة الرجل فليست من العورة بالاتفاق كذا في "فتح الرحمن" وتقديم الغض لأن النظر يريد الزنى ورائد الفساد يعني أن الله تعالى قرن النهي عن النظر إلى المحارم بذكر حفظ الفرج تنبيهاً على عظم خطر النظر فإنه يدعو إلى الإقدام على الفعل وفي الحديث :"النظر سهم من سهام إبليس" قيل : من أرسل طرفه اقتنص حتفه : وفي "المثنوي" :
كرزناى شم حظى مي برى
نى كباب ازهلوى خود مي خورى
اين نظر ازدور ون تيرست وسم
عشقت افزون مي شود صبرتوكم
﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ فضلاً عن إبداء مواقعها يقال بدا الشيء بدواً وبدوّاً أي ظهر ظهوراً بيناً وأبدى أظهر.
﴿إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ (مكر آنه ظاهر شود ازان زينت بوقت ساختن كارها ون خاتم واطراف ثياب وكحل درعين وخضاب دركف) فإن في سترها حرجاً بيناً.
قال ابن الشيخ : الزينة ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو ثوب أو صبغ فما كان منها ظاهراً كالخاتم والفتخة وهي ما لا فص فيه من الخاتم والكحل والصبغ فلا بأس بابدائه للأجانب بشرط الأمن من الشهوة وما خفي منها كالسوار والدملج وهي خلقة تحملها المرأة على عضدها والوشاح والقرط فلا يحل لها إبداؤها إلا للمذكورات فيما بعد بقوله :﴿إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى كتمان ما زين الله به سرائرهم من
١٤١
صفاء الأحوال وزكاء الأعمال فإنه بالإظهار ينقلب الزين شيناً إلا ما ظهر منها وارد حق أو يظهر على أحد منهم نوع كرامة بلا تعمله وتكلفه فذلك مستثنى لأنه غير مؤاخذ بما لم يكن بتصرفه وتكلفه انتهى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٤١
قال في "حقائق البقلي" : فيه استشهاد على أنه لا يجوز للعارفين أن يبدوا زينة حقائق معرفتهم وما يكشف الله لهم من عالم الملكوت وأنوار الذات والصفات ولا المواجيد إلا ما ظهر منها بالغلبات من الشهقات والزعقات والاصفرار والاحمرار وما يجري على ألسنتهم بغير اختيارهم من كلمات السطح والإشارات المشاكلة وهذه الأحوال أشرف زينة للعارفين.
قال بعضهم : أزين ما تزين به العبد الطاعة فإذا أظهرها فقد ذهبت زينتها.
وقال بعضهم : الحكمة في هذه الآية لأهل المعرفة أنه من أظهر شيئاً من أفعاله إلا ما ظهر عليه من غير قصد له فيه سقط به عن رؤية الحق لأن من وقع عليه رؤية الخلق ساقط عن رؤية الحق.
قال الشيخ سعدى قدس سره :
همان به كر آبستن كوهرى
كه همون صدف سر بخود دربرى
وفي "المثنوي" :
داند وبوشد بامر ذي الجلال
كه نباشد كشف را ازحق حلال
سر غيب آنرا سنرد آموختن
كه زكفتن لب تواند دوختن
﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ ضمن الضرب معنى الإلقاء ولذا عدي بعلي.
والخمر جمع خمار وهو ما تغطي به المرأة رأسها وتسترها وما ليس بهذه الصفة فليس بخمار.
قال في "المفردات" : أصل الخمر ستر الشيء ويقال لما يستر به خمار لكن الخمار صار في التعارف اسماً لما تغطي به المرأة رأسها.
والجيوب جمع جيب وهو ما جيب من القميص أي قطع لإدخال الرأس.
والمعنى وليلقين مقانعهن على جيوبهن ليسترن بذلك شعورهن وقروطهن وأعناقهن عن الأجانب.
وبالفارسية :(وبايدكه فرو كذا رند مقنعهاى خودرا بر كريبا نهاي خويش يعني كردن خودرا بمقنعه بوشند تاشوى وبنا كوش وكردن وسينة ايشان وشيده ماند).
وفيه دليل على أن صدر المرأة ونحرها عورة لا يجوز للأجنبي النظر إليها ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ أي : الزينة الخفية كالسوار والدملج والوشاح والقرط ونحوها فضلاً عن ابداء مواقعها كرره لبيان من يحل له الإبداء ومن لا يحل له.
وقال أبو الليث : لا يظهر مواضع زينتهن وهو الصدر والساق والساعد والرأس لأن الصدر موضع الوشاح والساق موضع الخلخال والساعد موضع السوار والرأس موضع الإكليل فقد ذكر الزينة وأراد بها موضع الزينة انتهى.
﴿إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾.


الصفحة التالية
Icon