قال في "المفردات" : الأيم المرأة التي لا بعل لها وقد قيل للرجل الذي لا زوج له وذلك على طريق التشبيه بالمرأة لا على التحقيق.
والمعنى زوجوا أيها الأولياء والسادات من لا زوج له من أحرار قومكم وحرائر عشيرتكم فإن النكاح سبب لبقاء النوع وحافظ من السفاح.
﴿وَالصَّـالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَآاـاِكُمْ﴾.
قال في "الكواشي" : أي الخيرين أو المؤمنين.
وقال في "الوسيط" : معنى الصلاح ههنا الإيمان.
وفي "المفردات" : الصلاح ضد الفساد وهما مختصان في أكثر الاستعمال بالأفعال وتخصيص الصالحين فإن من لا صلاح له من الأرقاء بمعزل من أن يكون خليقاً بأن يعتني مولاه بشأنه ويشفق عليه ويتكلف في نظم مصالحه بما لا بد منه شرعاً وعادة من بذل المال والمنافع بل حقه أن لا يستبقيه عنده وأما عدم اعتبار الصلاح في الأحرار والحرائر
١٤٦
فلأن الغالب فيهم الصلاح.
يقول الفقير : قد أطلق في هذه الآية الكريمة العبد والأمة على الغلام والجارية وقد قال عليه السلام :"لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله ولكن ليقل غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي" والجواب أن ذلك إنما يكره إذا قاله على طريق التطاول على الرقيق والتحقير لشأنه والتعظيم لنفسه فسقط التعارض والحمدتعالى :﴿إِن يَكُونُوا﴾ (اكرباشند ايامي وصلحاً ازعباد وأما) ﴿فُقَرَآءَ﴾ (درويشان وتنكدستان) ﴿يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ أي لا يمنعن فقر الخاطب والمخطوبة من المناكحة فإن في فضل الله غنية عن المال فإنه غاد ورائح (كه كاه آيدوكه رود مال وجاه) والله يرزق من يشاء من حيث لا يحتسب.
قال بعضهم : من صح افتقاره إلى الله صح استغناؤه بالله ﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ﴾ غني ذو سعة لا تنفد نعمته إذ لا تنتهي قدرته ﴿عَلِيمٌ﴾ يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر على ما تقتضيه حكمته.
اتفق الأئمة على أن النكاح سنة لقوله عليه السلام :"من أحب فطرتي فليستنّ بسنتي ومن سنتي النكاح" وقوله عليه السلام :"يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" فإن كان تائقاً، أي : شديد الاشتياق إلى الوطء يخاف العنت وهو الزنى وجب عليه عند أبي حنيفة وأحمد وقال مالك والشافعي هو مستحب لمحتاج إليه يجد أهبة ومن لم يجد التوقان فقال أبو حنيفة : النكاح له أفضل من نفل العبادة وقال مالك والشافعي بعكسه وعند الشافعي إن لم يتعبد فالنكاح أفضل.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٤١
واختلفوا في تزويج المرأة نفسها فأجازه أبو حنيفة لقوله تعالى :﴿فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾ (البقرة : ٢٣٢) نهى الرجال عن منع النساء عن النكاح فدل على أنهن يملكن النكاح ومنعه الثلاثة وقالوا : إنما يزوجها وليها بدليل هذه الآية لأن الله تعالى خاطب الأولياء به كما أن تزويج العبيد والإماء إلى السادات واختلفوا هل يجبر السيد على تزويج رقيقه إذا طلب ذلك فقال أحمد : يلزمه ذلك إلا أمة يستمتع بها فإن امتنع من الواجب عليه فطلب العبد البيع لزمه بيعه وخالفه الثلاثة.
قال في "الكواشي" : وهذا أمر ندب أي ما وقع في الآية.
قال في "ترجمة الفتوحات" :(واكرم عزم نكاح كنى جهد كن كه ازقريشيات بدست كنى واكر ازاهل بيت باشد بهتر ونيكوتر رسول الله صلى الله عليه وسلّم فرموده كه بهترين زنانى كه برشتر سوار شدند زنان قريش اند) قال الزجاج : حث الله على النكاح وأعلم أنه سبب لنفي الفقر ولكن الغنى على وجهين : غنى بالمال وهو أضعف الحالين وغنى بالقناعة وهو أقوى الحالين وإنما كان النكاح سبب الغنى لأن العقد الديني يجلب العقد الدنيوي إما من حيث لا يحتسبه الفقر أو من حيث أن النكاح سبب للجد في الكسب والكسف ينفي الفقر.
رزق اكر ند بيكمان برسد
شرط عقلست جستن ازدرها
واختلف الأئمة في الزوج إذا أعسر بالصداق والنفقة والكسوة والمسكن هل تملك المرأة فسخ نكاحها فقال أبو حنيفة رحمه الله : لا تملك الفسخ بشيء من ذلك وتؤمر بالاستدانة للنفقة لتحيل عليه فإذا فرضها القاضي وأمرها بالاستدانة صارت ديناً عليه فتتمكن من الإحالة عليه والرجوع في تركته لو مات.
روي : عن جعفر بن محمد أن رجلاً شكا إليه الفقر فأمره أن يتزوج فتزوج الرجل ثم جاء فشكا إليه الفقر فأمره أن يطلقها فسئل عن ذلك فقال : قلت لعله من أهل
١٤٧
هذه الآية ﴿إِن يَكُونُوا فُقَرَآءَ﴾ إلخ فلما لم يكن من أهلها قلت لعله من أهل آية أخرى ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِّن سَعَتِهِ﴾ (النساء : ١٣٠).
قال بعضهم : ربما كان النكاح واجب الترك إذا أدى إلى معصية أو مفسدة وفي الحديث :"يأتي على الناس زمان لا ينال فيه المعيشة إلا بالمعصية فإذا كان ذلك الزمان حلت العزوبة" وفي الحديث :"إذا أتى على أمتي مائة وثمانون سنة فقد حلت لهم العزوبة والترهب على رؤوس الجبال" كما في "تفسير الكواشي".
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٤١


الصفحة التالية
Icon