واعلم أن من لم يتصل نسبه المعنوي بواحد من أهل النفس الرحماني وادعى لنفسه الكمال والتكميل فهو زان في الحقيقة ومن هو تحت تربيته هالك لأنه ولد الزنى وربما رأيت من يكره بعض أهل الطلب على التردد لباب أهل الدعوى ويصرفه عن باب أهل الحق عناداً وغرضاً ومرضاً واتباعاً لهواه فهو إنما يكرهه على الزنى لأنه بملازمة باب أهل الباطل يصير المرء هالكاً كولد الزنى إذ يفسد استعداده فساد البيضة نسأل الله تعالى أن يحفظنا من كيد الكافرين ومكر الماكرين.
﴿وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ ءَايَـاتٍ مُّبَيِّنَـاتٍ﴾ أي : وبالله لقد أنزلنا إليكم في هذه السورة الكريمة آيات مبينات لكل ما بكم حاجة إلى بيانه من الحدود وسائر الأحكام والآداب والتبيين في الحقيقةتعالى وإسناده إلى الآيات مجازي.
﴿وَمَثَلا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ﴾ أي : وأنزلنا مثلاً كائناً من قبيل أمثال الذين مضوا من قبلكم من القصص العجيبة والأمثال المضروبة لهم في الكتب السابقة والكلمات الجارية على ألسنة الأنبياء فتنتظم قصة عائشة الحاكية لقصة يوسف وقصة مريم في الغرابة وسائر الأمثال الواردة انتظاماً واضحاً فإن في قصتهما ذكر تهمة من هو بريء مما اتهم به فيوسف اتهمته زليخا ومريم اتهمها اليهود مع براءتهما
١٥١
﴿وَمَوْعِظَةً﴾ تتعظون بها وتنزجرون عما لا ينبغي من المحرمات والمكروهات وسائر ما يخل بمحاسن الآداب ومدار العطف هو التغاير العنواني المنزل منزلة التغاير الذاتي ﴿لِّلْمُتَّقِينَ﴾ وتخصيصهم مع شمول الموعظة للكل حسب شمول الإنزال لأنهم المنتفعون بها.
وفي "التأويلات النجمية" : أي ليتعظ من يريد الاتقاء عما أصاب المتقدمين فإن السعيد من وعظ بغيره.
قال الشيخ سعدي قدس سره :
نرود مرغ سوى دانه فراز
ون دكر مرغ بيند اندر بند
ندكير از مصائب دكران
تا نكيرند ديكران ز تو ند
روي : عن الشعبي أنه قال : خرج أسد وذئب وثعلب يتصيدون فاصطادوا حمار وحش وغزالاً وأرنباً فقال الأسد للذئب : اقسم فقال : الحمار الوحشي للملك والغزال لي والأرنب للثعلب قال : فرفع الأسد يده وضرب رأس الذئب ضربة فإذا هو متجندل بين يدي الأسد ثم قال للثعلب : اقسم هذه بيننا فقال الحمار يتغدى به الملك والغزال يتعشى به والأرنب بين ذلك فقال الأسد : ويحك ما أقضاك من علمك هذا القضاء فقال القضاء الذي نزل برأس الذئب ويقال الموعظة هي التي تلين القلوب وتسيل العيون اليابسة وهي من صفات القرآن عند من يلقي السمع وهو شهيد وفي الحديث :"أن هذه القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد" قيل : وما جلاؤها قال :"تلاوة القرآن وذكر الله تعالى" فعلى العاقل أن يستمع إلى القرآن ويتعظ بمواعظه ويقبل إلى قبول ما فيه من الأوامر وإلى العمل بما يحويه من البواطن والظواهر.
مهتري در قبول فرمانست
ترك فرمان دليل حرمانست
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٤١
﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾.
قال الإمام الغزالي قدس سره في شرح الاسم : النور هو الظاهر الذي به كل ظهور فإن الظاهر في نفسه المظهر لغيره يسمى نوراً ومهما قوبل الوجود بالعدم كان الظهور لا محالة للوجود ولا ظلام أظلم من العدم فالبريء من ظلمة العدم إلى ظهور الوجود جدير بأن يسمى نوراً والوجود نور فائض على الأشياء كلها من نور ذاته فهو نور السموات والأرض فكما أنه لا ذرة من نور الشمس إلا وهي دالة على وجود الشمس النيرة فلا ذرة من وجود السموات والأرض وما بينهما إلا وهي بجواز وجودها دالة على وجوب وجود موجدها انتهى ويوافقه النجم في "التأويلات" حيث قال :﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ أي : مظهرهما من العدم إلى الوجود فإن معنى النور في اللغة الضياء وهو الذي يبين الأشياء ويظهرها للأبصار انتهى، فقوله تعالى :﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ من باب التشبيه البليغ أي كالنور بالنسبة إليهما من حيث كونه مظهراً لهما أي موجداً فإن أصل الظهور هي الظهور من العدم إلى الوجود فإن الأعيان الثابتة في علم الله تعالى خفية في ظلم العدم وإنما تظهر بتأثير قدرة الله تعالى كما في "حواشي ابن الشيخ".
يقول الفقير : لا حاجة إلى اعتبار التشبيه البليغ فإن النور من الأسماء الحسنى وإطلاقه على الله حقيقي لا مجازي فهو بمعنى المنور ههنا فإنه تعالى نور الماهيات المعدومة بأنوار الوجود وأظهرها من كتم العدم بفيض الجود كما قال عليه السلام :"إن الله خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره" فخلق ههنا بمعنى التقدير فإن التقدير
١٥٢
سابق على الإيجاد ورش النور كناية عن إفاضة الوجود على الممكنات والممكن يوصف بالظلمة فإنه يتنور بالوجود فتنويره إظهاره.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٢


الصفحة التالية
Icon