وقال في "عرائس البيان" : اراد بالسموات والأرض صورة المؤمن رأسه السموات وبدنه الأرض وهو تعالى بجلالة قدره نور هذه السموات والأرض إذ زين الرأس بنور السمع والبصر والشم والذوق والبيان في اللسان فنور العين كنور الشمس والقمر، ونور الأذن كنور الزهرة والمشتري، ونور الأنف كنور المريخ وزخل ونور اللسان كنور عطارد وهذه السيارات النيرات تسرى في بروج الرأس، ونور أرض البدن الجوارح والأعضاء والعضلات واللحم والدم والشعرات وعظامها الجبال.
(إمام زاهد فرموده كه خدايرا نورتوان كفت ولي روشنى نتوان كفت ه روشنى ضد تاريكست وخداي تعالى آفريد كار هر دو ضداست) فالنور الذي بمقابلة الظلمة حادث لأن ما كان بمقابلة الحادث حادث فمعنى كونه تعالى نوراً هو أنه مبدأ هذا النور المقابل بالظلمة ثم إن إضافة النور إلى السموات والأرض مع أن كونه تعالى نوراً ليس بالإضافة إليها فقط للدلالة على سعة إشراقه فإنهما مثلان في السعة قال تعالى :﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَـاوَاتُ وَالارْضُ﴾ (آل عمران : ١٣٣) ويجوز أن يقال : قد يراد بالسموات والأرض العالم بأسره كما يراد بالمهاجرين والأنصار جميع الصحابة كما في "حواشي سعدي" المفتي ونظيره قوله تعالى في الحديث القدسي خطابا للنبي عليه السلام :"لولاك لما خلقت الأفلاك" أي : العوالم بأسرها لكنه خصص الأفلاك بالذكر لعظمها وكونها بحيث يراها كل من هو من أهل النظر وهو اللائح بالبال والله الهادي إلى حقيقة الحال.
﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ أي : نوره الفائض منه تعالى على الأشياء المستنيرة وهو القرآن المبين كما في "الإرشاد" فهو تمثيل له في جلاء مدلوله وظهور ما تضمنه من الهدى بالمشكاة المنعوتة والمراد بالمثل الصفة العجيبة أي صفة نوره العجيب وإضافته إلى ضميره تعالى دليل على أن إطلاقه عليه لم يكن على ظاهره كما في "أنوار التنزيل" ﴿كَمِشْكَـاوةٍ﴾
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٢
أي صفة كوة غير نافذة في الجدار في الانارة وهي بلغة الحبشة.
وبالفارسية (ما نندرونه ايست درديوارى كه أو بخارج راه ندارد ون طاقى) ﴿فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ سراج ضخم ثابت.
وبالفارسية (راع فروخته ونيك روشن) ﴿الْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ﴾ أي : قنديل من الزجاج الصافي الأزهر وفائدة جعل المصباح في زجاجة والزجاجة في كوة غير نافذة شدة الإضاءة لأن المكان كلما تضائق كان أجمع للضوء بخلاف الواسع فالضوء ينتشر فيه وخص الزجاج لأنه أحكى الجواهر لما فيه.
﴿الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ﴾ متلألىء وقاد شبيه بالدر في صفائه وزهرته كالمشتري والزهرة والمريخ ودراري الكواكب عظامها
١٥٤
المشهورة ومحل الجملة الأولى الرفع على أنها صفة لزجاجة أو للام مغنية عن الرابض كأنه قيل : فيها مصباح هو في زجاجة هي كأنها كوكب دريّ وفي إعادة المصباح والزجاجة معرفين أثر سبقهما منكرين والإخبار عنهما بما بعدهما مع انتظام الكلام بأن يقال كمشكاة فيها مصباح في زجاجة كأنها كوكب دريّ من تفخيم شأنها بالتفسير بعد الإبهام ما لا يخفى.
﴿يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ﴾ أي يبتدأ إيقاد المصباح من زيت شجرة.
﴿مُّبَـارَكَةٍ﴾ أي كثيرة المنافع لأن الزيت يسرج به وهو إدام ودهان ودباغ ويوقد بحطب الزيتون وبثقله ورماده يغسل به الإبريسم ولا يحتاج في استخراج دهنه إلى عصار وفيه زيادة الإشراق وقلة الدخان وهو مصحة من الباسور.
﴿زَيْتُونَةٍ﴾ بدل من شجرة : وبالفارسية (كه آن زيتونست كه هفتاد يغمبر بدو دعا كرده ببركت وازجملة إبراهيم خليل عليه السلام) وخصها من بين سائر الأشجار لأن دهنها أضوء وأصفى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٢


الصفحة التالية
Icon