وأما حظ الخواص في مشاهدة أنوار صفات الله تعالى وذاته بإراءة الحق في أنفسهم فإنما يتعلق بالسير فيها لأن الله تعالى خلق نفس الإنسان مرآة قابلة لشهود ذاته وجميع صفاته إذا كانت صافية عن صدأ الصفات الذميمة والأخلاق الرديئة مصقولة بمصقلة كلمة لا إله إلا الله لينتفي بنفي لا إله تعلقها عما سوى الله ويثبت بإثبات إلا الله فيها نور جمال الله وجلاله فيرى بنور الله الجسد كالمشكاة والقلب كالزجاجة والسر كالمصباح.
﴿الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَـارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ﴾ وهي شجرة الروحانية.
﴿لا شَرْقِيَّةٍ﴾ أي : لا قديمة أزلية ﴿وَلا غَرْبِيَّةٍ﴾ أي : لا فانية
١٥٧
تغرب في سماء الوجود في عين العدم ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا﴾ وهو الروح الإنسانية بنور العقل الذي هو ضوء الروح وصفاؤه أي يكاد زيت الروح أن يعرف الله تعالى بنور العقل ﴿وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ أي : نار نور الإلهية فأبت عظمة جلال الله وعزة كبريائه أن تدرك بالعقول الموسومة بوصمة الحدوث إلا أن يتجلى نور القدم لنور العقل الخارج من العدم كما قال تعالى :﴿نُّورٌ عَلَى نُورٍا يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِه مَن يَشَآءُ﴾ أي : ينور مصباح سر من يشاء بنور القدم فتتنور زجاجة القلب ومشكاة الجسد ويخرج أشعتها من روزنة الحواس فاستضاءت أرض البشرية ﴿وَأَشْرَقَتِ الارْضُ بِنُورِ رَبِّهَا﴾ (الزمر : ٦٩) وتحقق حينئذ مقام "كنت له سمعاً وبصراً" الحديث.
وفيه إشارة أن إلى نور العقل مخصوص بالإنسان مطلقاً ولا سبيل له بالوصول إلى نور الله فهو مخصوص بهداية الله إليه فضلاً وكرماً لا يتطرق إليه كسب العباد وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
﴿وَيَضْرِبُ اللَّهُ الامْثَـالَ لِلنَّاسِ﴾ أي : للناسين عهود أيام الوصال بلاهم في أزل الآزال.
﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ﴾ في حالات وجود الأشياء وعدمها بغير التغير في ذاته وصفاته انتهى كلام "التأويلات".
قال حضرة الشيخ صدر الدين القنوي قدس سره :
اعلم أن النور الحقيقي يدرك به وهو لا يدرك لأنه عين ذات الحق من حيث تجردها عن النسب والإضافات ولهذا سئل النبي عليه السلام هل رأيت ربك قال :"نور أنى أراه" أي النور المجرد لا يمكن رؤيته وكذا أشار الحق في كتابه لما ذكر ظهور نوره في مراتب المظاهر قال :﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ فلما فرغ من ذكر مراتب التمثيل قال :﴿نُّورٌ عَلَى نُورٍ﴾ فأحد النورين هو الضياء والآخر هو النور المطلق الأصلي ولهذا تمم فقال :﴿يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِه مَن يَشَآءُ﴾ أي : يهدي الله بنوره المتعين في المظاهر والساري فيها إلى نوره المطلق الأحدي انتهى كلامه في "الفكوك".
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٢
قال في "تفسير الفاتحة" : فالعالم بمجموع صوره المحسوسة وحقائقه الغيبية المعقولة أشعة نور الحق وقد أخبر الحق أنه نور السموات والأرض ثم ذكر الأمثلة والتفاصيل المتعينة بالمظاهر على نحو ما تقتضيه مرآتها ثم قال في آخر الآية :﴿نُّورٌ عَلَى نُورٍا يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِه مَن يَشَآءُ﴾ فأضاف النور إلى نفسه مع أنه عين النور وجعل نوره المضاف إلى العالم الأعلى والأسفل هادياً إلى معرفة نوره المطلق ودالاً عليه كما جعل المصباح والمشكاة والشجرة وغيرها من الأمثال هادياً إلى نوره المقيد وتجلياته المتعينة في مراتب مظاهره وعرّف أيضاً على لسان نبيه عليه السلام أنه النور وأن حجابه النور انتهى بإجمال.
قال حضرة شيخي وسندي روح الله روحه قوله :﴿نُّورٌ عَلَى نُورٍ﴾ النور الأول هو النور الإضافي المنبسط على سموات الأسماء وأرض الأشياء والنور الثاني هو النور الحقيقي المستغني عن سموات الأسماء وأرض الأشياء والنور الإضافي دليل دال على النور الحقيقي والدليل ظاهر.
النور المطلق والمدلول باطنه وفي التحقيق الأتم هو دليل على نفسه لا يعرف الله إلا الله سبحانه ﴿فِى بُيُوتٍ﴾ متعلق بالفعل المذكور بعده وهو يسبح.
قال في "المفردات" : أصل البيت مأوى الإنسان بالليل ثم قد يقال من غير اعتبار الليل فيه وجمعه أبيات وبيوت لكن البيوت بالمسكن أخص والأبيات بالشعر ويقع ذلك على المتخذ من حجر ومدر ومن صوف ووبر وبه شبه بيت الشعر وعبر عن مكان
١٥٨
الشيء بأنه بيته والمراد بالبيوت المساجد كلها لقول ابن عباس رضي الله عنهما المساجد بيوت الله في الأرض تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم في الأرض ﴿أَذِنَ اللَّهُ﴾ الإذن في الشيء إعلام بإجازته والرخصة فيه ﴿أَن تُرْفَعَ﴾ بالبناء أو التعظيم ورفع القدر.
يعني (آنرا رفيع قدر وبزرك مرتبه دانند).
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٢


الصفحة التالية
Icon