قال الإمام الراغب : الرفع يقال تارة في الأجسام الموضوعة إذا أعليتها عن مقرها نحو قوله تعالى :﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ﴾ (البقرة : ٦٣) وتارة في البناء إذا طولته نحو قوله تعالى :﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِامُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ﴾ (البقرة : ١٢٧) وتارة في الذكر إذا نوهته نحو قوله تعالى :﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ (الشرح : ٤) وتارة في المنزلة إذا شرفتها نحو قوله تعالى :﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـاتٍ﴾ (الأنعام : ١٦٥) ﴿وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ اسم الله تعالى ما يصح أن يطلق عليه بالنظر إلى ذاته أو باعتبار صفة من صفاته السلبية كالقدوس أو الثبوتية كالعليم أو باعتبار فعل من أفعاله كالخالق لكنها توقيفية عند بعض العلماء وهو عام في كل ذكر توحيداً كان أو تلاوة قرآن أو مذاكرة علوم شرعية أو أذاناً أو إقامة أو نحوها.
يعني (در آنجا بذكر ونماز اشتغال بايد نمود وازسخن دنيا وكلام ما لا يعنى براحتراز بايد بود) وفي الأثر :"الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش" ﴿يُسَبِّحُ لَه فِيهَا﴾ فيها تكرير لقوله في بيوت للتأكيد والتذكير لما بينهما من الفاصلة وللإيذان بأن التقديم للاهتمام لا لقصر التسبيح على الوقوع في البيوت فقط والتسبيح تنزيه الله وأصله المرّ السريع في عبادة الله فإن السبح المرّ السريع في الماء أو في الهواء يستعمل باللام وبدونها أيضاً وجعل عاماً في العبادات قولاً كان أو فعلاً أو نية أريد به ههنا الصلوات المفروضة كما ينبىء عنه تعيين الأوقات بقوله تعالى :﴿بِالْغُدُوِّ وَالاصَالِ﴾ أي : بالغدوات والعشيات فالمراد بالغدو وقت صلاة الفجر المؤداة بالغداة وبالآصال ما عداه من أوقات صلوات الظهر والعصر والعشاءين لأن الأصيل يجمعها ويشملها كما في "الكواشي" وغيره.
والغدو مصدر يقال : غدا يغدو غدواً أي دخل في وقت الغدوة وهي ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس والمصدر لا يقع فيه الفعل فأطلق على الوقت حسبما يشعر اقترانه بالآصال جمع أصيل وهو العشي أي من زوال الشمس إلى طلوع الفجر.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٢
﴿رِجَالٌ﴾ فاعل يسبح ﴿لا تُلْهِيهِمْ﴾ لا تشغلهم من غاية الاستغراق في مقام الشهود يقال : ألهاه عن كذا إذا شغله عما هو أهم.
﴿تِجَـارَةٌ﴾ التجارة صفة التاجر من بيع وشراء والتاجر الذي يبيع ويشتري.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٩
قال في "المفردات" : التجارة التصرف في رأس المال طالباً للربح وليس في كلامهم تاء بعدها جيم غير هذه اللفظة وتخصيص التجارة لكونها أقوى الصوارف عندهم وأشهرها أي لا يشغلهم نوع من أنواع التجارة.
﴿وَلا بَيْعٌ﴾ البيع إعطاء المثمن وأخذ الثمن والشراء إعطاء الثمن وأخذ المثمن أي ولا فرد من أفراد البياعات وإن كان في غاية الربح وإفراده بالذكر مع اندراجه تحت التجارة لكونه أهم من قسمي التجارة فإن الربح يتحقق بالبيع ويتوقع بالشراء أي ربح الشراء، متوقع في ثاني الحال عند البيع فلم يكن ناجزاً كربح البيع فإذا لم يلههم المقطوع فالمظنون أولى ﴿عَن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ بالتسبيح والتمجيد.
﴿رِجَالٌ لا﴾ أي إقامتها بمواقيتها من غير تأخير وقد سقطت التاء المعوضة عن العين الساقطة بالإعلال وعوض عنها الإضافة.
١٥٩
قال ابن الشيخ : إقامة الصلاة اتمامها برعاية جميع ما اعتبره الشرع من الأركان والشرائط والسنن والآداب فمن تساهل في شيء منها لا يكون مقيماً لها.
﴿وَإِيتَآءِ الزَّكَـاوةِ﴾ أي : المال الذي فرض إخراجه للمستحقين وإيراده ههنا وإن لم يكن مما يفعل في البيوت لكونه قرين إقامة الصلاة لا يفارقها في عامة المواضع.
﴿يَخَافُونَ﴾ صفة ثانية للرجال والخوف توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة كما أن الرجاء والطمع توقع محبوب عن إمارة مظنونة أو معلومة ويضاد الخوف الأمن.
والمعنى بالفارسية (مي ترسند اين مردمان باوجود نين توجه واستغراق) ﴿يَوْمًا﴾ مفعول ليخافون لا ظرف والمراد يوم القيامة، أي من اليوم الذي ﴿تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالابْصَـارُ﴾ صفة ليوماً والتقلب التصرف والتغير من حال إلى حال وقلب الإنسان سمي به لكثرة تقلبه من وجه إلى وجه والبصر يقال للجارحة الناظرة وللقوة التي فيها.
والمعنى : تضطرب وتتغير في أنفسها وتنتقل عن إماكنها من الهول والفزع فتنقلب القلوب في الجوف وترتفع إلى الحنجرة ولا تنزل ولا تخرج كما قال تعالى :﴿وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ﴾ (الأحزاب : ١٠) وتقلب الأبصار شخوصها كما قال تعالى :﴿لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الابْصَـارُ﴾ (إبراهيم : ٤٢) وإذ زاغت الأبصار أو تتقلب القلوب بين توقع النجاة وخوف الهلاك والأبصار من أي ناحية يؤخذ بهم ومن أي جهة يأتي كتابهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٩


الصفحة التالية
Icon