﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ﴾ متعلق بمحذوف يدل عليه ما حكي من أعمالهم المرضية أي يفعلون ما يفعلون من المداومة على التسبيح والذكر وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والخوف من غير صارف لهم عن ذلك ليجزيهم الله تعالى والجزاء ما فيه الكفاية من المقابلة إن خيراً فخير وإن شراً فشر والأجر خاص بالمثوبة الحسنى كما في "المفردات".
﴿أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا﴾ أي : أحسن جزاء أعمالهم حسبما وعد لهم بمقابلة حسنة واحدة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف.
﴿وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ﴾ أشياء لم يعدهم بها على أعمالهم ولم تخطر ببالهم وهو العطاء الخاص لا لعمل.
﴿وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ تقرير للزيادة وتنبيه على كمال القدرة ونفاذ المشيئة وسعة الإحسان.
والرزق العطاء الجاري والحساب استعمال العدد، أي يفيض ويعطي من يشاء ثواباً لا يدخل تحت حساب الخلق.
قال كثير من الصحابة رضي الله عنهم : نزلت هذه الآية في أهل الأسواق الذين إذا سمعوا النداء بالصلاة تركوا كل شغل وبادروا إليها أي لا في أصحاب الصفة وأمثالهم الذين تركوا التجارة ولزموا المسجد فإنه تعالى قال :﴿رِجَالٌ لا﴾ وأصحاب الصفة وأمثالهم لم يكن عليهم الزكاة قال الإمام الراغب : قوله تعالى :﴿لا تُلْهِيهِمْ﴾ الآية ليس ذلك نهياً عن التجارة وكراهية لها بل نهي عن التهافت والاشتغال عن الصلوات والعبادة بها انتهى.
(آورده اندكه ملك حسين كه وإلى هرات بود از حضرت قطب الأقطاب خواجه بهاء الحق والدين محمد نقشبند قدس سره رسيدكه در طريقة شما ذكر جهر وخلوت وسماع مي باشد فرمودندكه باشد س كفت ببناى طريقت شما بريست فرمودندكه "خلوت دارانجمي بظاهر باخلق وبباطن باحق").
ازدرون شوآشنا واز برون بيكانه وش
اينين زيبا روش كم مي بود اندر جهان
آنه حق سبحانه وتعالى فرما يدكه.
﴿رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَـارَةٌ﴾ الآية اشارت بدين مقامست.
١٦٠
سر رشتة دولت أي برادر بكف آرا
وين عمر كرامي بخسارت مكذار
دائم همه جا باهمه كس درهمه كار
ميدار نهفت شم دل جانب يار
قال في "الأسئلة المقحمة" : كيف خص الرجال بالمدح والثناء دون النساء؟ فالجواب لأنه لا جمعة على النساء ولا جماعة في المساجد.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٩
قال بعضهم : من أسقط عن سره ذكر ما لم يكن فكان يسمى رجلاً حقيقة ومن شغله عن ربه من ذلك شيء فليس من الرجال المتحققين.
وفي "التأويلات النجمية" : وإنما سماهم رجالاً لأنه لا تتصرف فيهم تجارة وهي كناية عن النجاة من دركات النيران كما قال تعالى :﴿هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَـارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (الصف : ١٠) ولا بيع كناية عن الفوز بدرجات الجنان كما قال تعالى :﴿فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِى بَايَعْتُم بِهِ﴾ (التوبة : ١١١) وهو قوله :﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ (التوبة : ١١١) ولو تصرف فيهم شيء من الدارين بالتفاتهم إليه وتعلقهم به حتى شغلهم عن ذكر الله أي عن طلبه والشوق إلى لقائه لكانوا بمثابة النساء فإنهن محال التصرف فيهن وما استحقوا اسم الرجال وأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام فقال :"يا داود فرغ لي بيتاً أسكن فيه قال يا رب أنت منزه عن البيوت قال : فرغ لي قلبك" وتفريغها أي القلوب التي أشارت إليها البيوت تصفيتها عن نقوش المكونات وتصقيلها عن صدأ تعلقات الكونين وإنما هو بذكر الله والمداومة عليه كما قال عليه السلام :"إن لكل شيء صقالة وإن صقالة القلوب بذكر الله" فإذا صقلت تحلى الله فيها بنور الجمال وهو الزيادة في قوله تعالى :﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ والرزق بغير حساب في أرزاق الأرواح والمواهب الإلهية فأما أرزاق الأشباح فمحصورة معدودة.
فعلى العاقل الاجتهاد باعمال الشريعة وآداب الطريقة فإنه سبب الوصول إلى أنوار الحقيقة ومن تنور باطنه في الدنيا تنور ظاهره وباطنه في العقبى وكل جزاء فإنما هو من جنس العمل.
روي : أنه إذا كان يوم القيامة يحشر قوم وجوههم كالكوكب الدري فتقول لهم الملائكة : ما أعمالكم فيقولون : كنا إذا سمعنا الأذان قمنا إلى الطهارة لا يشغلنا غيرها ثم يحشر طائفة وجوههم كالأقمار فيقولون بعد السؤال : كنا نتوضأ قبل الوقت، ثم يحشر طائفة وجوههم كالشموس فيقولون : كنا نسمع الأذان في المسجد" وفي الحديث :"إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول" أي : ثواب من يأتي في الوقت الأول والثاني، "فإذا جلس الإمام" يعني صعد المنير "طووا الصحف وجاؤا يسمعون الذكر" أي : الخطبة فلا يكتبون ثواب من يأتي في ذلك الوقت والمراد منه أجر مجرد مجيئه قيل لا يكتبون أصلاً وقيل يكتبونه بعد الاستماع والمراد بالملائكة كتبة ثواب من يحضر الجمعة وهم غير الحفظة اللهم اجعلنا من المسارعين المسابقين واحشرنا في زمرة أهل الصدق والحق واليقين.


الصفحة التالية
Icon