جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٩
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَـالُهُمْ﴾ أي : أعمالهم التي هي من أبواب البرّ كصلة الأرحام وعتق الرقاب وعمارة البيت وسقاية الحاج وإغاثة الملهوفين وقرى الأضياف وإراقة الدماء ونحو ذلك مما لو قارنه الإيمان لاستتبع الثواب.
﴿كَسَرَاب﴾ هو ما يرى في المفازة من لمعان الشمس عليها نصف النهار فيظن أنه ماء يسرب أي يذهب ويجري وكان السراب فيما لا حقيقة له كالشراب فيما له حقيقة.
﴿بِقِيعَةٍ﴾ متعلق بمحذوف هو صفة السراب،
١٦١
أي كائن في قاع وهي الأرض المنبسطة المستوية قد انفرجت عنها الجبال.
قال في "المختار" : القيعة مثل القاع، وبعضهم يقول هو جمع.
﴿يَحْسَبُهُ الظَّمْـاَانُ مَآءً﴾ صفة أخرى لسراب، أي يظنه الشديد العطش ماء حقيقة من ظمىء بالكسر يظمأ والظمىء بالكسر ما بين الشربتين والورودين والظمأ العطش الذي يحدث من ذلك وتخصيص الحسبان بالظمآن مع شموله لكل من يراه كائناً من كان من العطشان والريان لتكميل التشبيه بتحقيق شركة طرفيه في وجه الشبه وهو الابتداء المطمع والانتهاء الموئس.
﴿حَتَّى إِذَا﴾ (تاون) ﴿جَآءَهُ﴾ أي : جاء ما توهمه ماء وعلق به رجاءه ليشرب منه.
﴿لَمْ يَجِدْهُ﴾ أي ما حسبه ماء ﴿شَيْـاًا﴾ أصلاً لا متحققاً ولا متوهماً كما كان يراه من قبل فضلاً عن وجدان ماء فيزداد عطشاً.
﴿وَوَجَدَ اللَّهَ﴾ أي : حكمه وقضاءه ﴿عِندَهُ﴾ عند المجيء كما قال :﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ (الفجر : ١٤) يعني : مصير الخلق إليه ﴿فَوَفَّـاـاهُ حِسَابَهُ﴾ أي أعطاه وافياً كاملاً حساب عمله يعني ظهر له بعد ذلك من سوء الحال ما لا قدر عنده للخيبة والقنوط أصلاً كمن يجيء إلى باب السلطان للصلة فيضرب ضرباً وجيعاً.
﴿وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ لا يشغله حساب عن حساب.
قال الكاشفي :(زود حسابست حساب يكى اورا از حساب ديكرى بازندارد تمثيل كرد اعمال كافر را بسراب واورا بتشنة سوخته س همنانكه تشنة ازسراب نا اميد شده باشد شدتش زياده مي شود كافر انرا ازاميد به اداش اعمال خود ود نيايند حسرت افزون ميكردد).
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٩
وفي الآية إشارة إلى أهل كفران النعمة وهم الذين يصرفون نعمة الله في معاصيه ومخالفته ثم يعاملون على الغفلة بالرسم والعادة التي وجدوا عليها آباءهم صورة بلا معنى بل رياء وسمعة وهم يحسبون بجهلهم أنهم يحسنون صنعاً زين لهم الشيطان أعمالهم فمثل أعمالهم كسراب لا طائل تحته وصاحب الأعمال يحسب من غفلته وجهالته أن أعماله المشوبة هي ما يطفىء به نار غضب الله حتى إذا جاءه عند الموت لم يجده شيئاً مما توهمه ووجد الله عند أعماله للوزن والجزاء والحساب وهو غضبان عليه لسوء معاملته معه فجازاه حق جزائه والله سريع الحساب يشير إلى أن من سرعة حسابه أن يظهر على ذاته وصفاته آثار معاملته السيئة بالأخلاق الذميمة والأحوال الرديئة في حال حياته.
﴿أَوْ كَظُلُمَـاتٍ﴾ عطف على كسراب وأو للتنويع فإن أعمالهم إن كانت حسنة فكالسراب وإن كانت قبيحة فكالظلمات ﴿فِى بَحْرٍ لُّجِّىٍّ﴾ أي : عميق كثير الماء منسوب إلى اللج وهو معظم ماء البحر.
قال الكاشفي :(دردرياي عميق كه دم بدم).
﴿يَغْشَـاـاهُ مَوْجٌ﴾ صفة أخرى للبحر أي يستره ويغطيه بالكلية.
﴿مِّن فَوْقِه مَوْجٌ﴾ مبتدأ وخبر والجملة صفة لموج، أي يغشاه أمواج متراكمة بعضها على بعض.
﴿مِّن فَوْقِه سَحَابٌ﴾ صفة لموج الثاني وأصل السحب الجر وسمي السحاب إما لجر الريح أو لجره الماء أي من فوق الموج الثاني الأعلى سحاب غطى النجوم وحجب أنوارها.
وفيه إيماء إلى غاية تراكم الأمواج وتضاعفها حتى كأنها بلغت السحاب.
﴿ظُلُمَـاتُ﴾ أي : هذه ظلمات.
﴿بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ﴾ أي متكاثفة متراكمة حتى ﴿إِذَآ أَخْرَجَ﴾ أي من ابتلي بهذه الظلمات وإضماره من غير ذكره لدلالة المعنى عليه دلالة واضحة.
﴿يَدَهُ﴾ وهي أقرب اعضائه المرئية إليه وجعلها بمرأى منه قريبة من عينه لينظر إليها
١٦٢
﴿لَمْ يَكَدْ يَرَاـاهَا﴾ لم يقرب أن يراها لشدة الظلمة فضلاً عن أن يراها ﴿وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَه نُورًا﴾ أي : ومن لم يشأ الله أن يهديه لنور القرآن ولم يوفقه للإيمان به.
﴿فَمَا لَه مِن نُورٍ﴾ أي : فما له هداية ما من أحد أصلاً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٩
قال الكاشفي :(اين تمثيل ديكراست مر عملهاي كفاررا ظلمات اعمال تيرة اوست وبحر لجي دل أو وموج آنه دل اورا مي وشد از جهل وشرك وسحاب مهر خذلان برآن س كردار وكفتارش ظلمت ومدخل ومخرجش ظلمت ورجوع اودر روز قيامت هم بظلمت عكس مؤمن كه اورانوراست واين را ﴿ظُلُمَـاتُا بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ﴾ ).
مؤمنان ازتير كي دور آمدند
لا جرم نور على نور آمدند
كافر تاريك دل را فكرتست
حال كارش ظلمت اندر ظلمتست


الصفحة التالية
Icon